الثلاثاء، 26 مايو 2015

مناهج علم الكلام







                                          بسم الله الرحمن الرحيم


                                            مقدمة
إعداد :أنور علوانى  


فى بداية هذا البحث الموجز عن مناهج المتكلمين ، لابد أن نقرر بوضوح حقيقة هامة ، لا يمكن أبدا اعتبار فرقة اسلامية كلامية متميزة بمنهج مقتصر عليها هى فقط ، ذلك أن مناهج أهل الكلام تكاد تكون موحدة ومشتركة فيما بينهم ، لكن الإختلاف هو فى درجة إعتماد كل فرقة على منهج من المناهج ، وفى غلوها وإسرافها فى إتباع منهج بعينه ، وتغليب العمل به على ماسواه ، وجعله حاكما على غيره

ومن جهة أخرى إن قواعد وعقائد كل فرقة فرضت عليها الإلتزام بمنهج ما ، بحيث أصبح المنهج قاعدة فكرية من قواعد الفرقة الكلامية نفسها ، يتضح هذا فى تغليب العقل عند المعتزلة ، وفى التوفيق بين العقل والنقل عند الأشاعرة ، وفى الإعتماد على النص الشرعى أولا وتقديمه على غيره عند أهل الحديث والكثير من الفقهاء ، ولكن هذا لا يعنى بوجه من الوجوه إهمال المناهج الأخرى والقطيعة معها ، فقد أستمر التلاقح بين مختلف المناهج عند مختلف الفرق ، وظل الفرق كما قلت هو فى الدرجة بين كل فرقة وأخرى

ومن جهة ثالثة : أن المنهج قد يتغير فى الفرقة الكلامية من عصر لأخر ، وقد تحدث تطورات فى المنهج تخرجه عن صفاته الأساسية عند أسلافهم ، كما حدث مع المنهج الأشعرى ، الذى بدأ بالمزاوجة بين العقل والنقل ، وأنتقل عند متاخرى الأشاعرة بحيث أصبح للعقل سلطة تخضع النقل لها ، كما سنرى .



تعريف علم الكلام

علم الكلام عند ابن خلدون (علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة) .  (1)



السفاريني يصفه بأنه علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، ويسمى أيضا علم التوحيد والصفات وعلم أصول الدين) (2)



قال أبو حيان التوحيدي رحمه الله:"وأما علم الكلام فإنه من باب الاعتبار في أصول الدين يدور النظر فيه على محض العقل في التحسين والتقبيح، والإحالة والتصحيح، والإيجاب والتجويز، والاقتدار والتعجيز، والتعديل والتجوير، والتوحيد والتكفير.

والاعتبارُ فيه ينقسم بين دقيق يتفرد العقل به، وجليل يُفْزَع إلى كتاب الله _تعالى_ فيه" (3)



_________________ 

تعريف الإمام الإيجي حيث قال: "والكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه )



ومن خلال هذه التعاريف يتضح لنا الشكل الذى يتخذه علم الكلام هو الشكل التعليمى والشكل الدفاعى ، ويقتضى الدفاع والدفع  التسلح بالحجج المختلفة ، وتلك الحجج تعتمد على العقل كما فى تعريف ابن خلدون ، وكما فى قول أبو حيان (يدور النظر فيه على محض العقل) ، وتعتمد على النقل كما فى تعريف السفارينى والإيجى لأن الإثبات يحتاج الى النقل عن صاحب الشرع ، ومن هذا يتضح أن المنهج العقلى والمنهج النقلى لصيقان بعلم الكلام فهو لا يستغنى عنهما  ، لأنه لا يقوم بغيرهما ، ومن هنا نستطيع أن نجعل العقل والنقل المنهجان الأساسيان فى علم الكلام ، ثم يتفرع عنهما أويلحق بهما مناهج أخرى تابعة



المنهج العقلى عند المتكلمين

يقرر اكثر المتكلمين من متقدمين ومتأخرين وخاصة الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة أن الدليل العقلى مقبول فى مسائل العقيدة

الى جانب الدليل السمعى ، وأن المعارف الكلامية تستمد من العقل ومن النقل جميعا ، وربما بالغ البعض منهم فى الاعتماد على الدليل العقلى ، والتهوين من قيمة الدليل النقلى ، او تحديد مجاله فى المباحث الكلامية كما هو الشأن لدى أكثر المعتزلة والمتأخرين من الاشاعرة والماتريدية والاثنا عشريه ....

فالمعتزلة على لسان شيخهم واصل ابن عطاء الذى أسس المذهب يقولون : إن الحق يعرف من وجوه أريعة كتاب ناطق أو خبر مجمع عليه وحجة عقل أو إجماع من الأمة ، كما يقرر احد رجالهم فى القرن الرابع أن الدلائل اربعة : حجة العقل والكتاب والسنة والاجماع ....

أما الاشاعرة فهم منذ شيخهم الأول أبى الحسن يقررون أن جملة الطرق التى تدرك بها العلوم تنحصر فى خمسة : العقل والكتاب والسنة والاجماع والقياس ، ويقسم للآمدى واحد متأخريهم العلوم الى بديهية ضرورية  والى نظرية كسبية ويقول ان الثانية إنما تستمد من الأولى بواسطة النظر العقلى الذى قد يبدأ من الشك لينتهى الى العلم أو المعرفة الجازمة القطعية اذا روعيت فيه القواعد السليمة للنظر

ويقرر الماتريدى فى كتاب التوحيد : أن أصل مايعرف به الدين وجهان أحدهما السمع والآخر العقل ، ....

وجوب النظر العقلى

لايكتفى المعتزلة والاشاعرة ومعهم أكثر المتكلمين ، بالاعتداد بالدليل العقلى ، والاعتراف بصحة مايدل عليه فى المسائل الاعتقادية ، بل يرون وجوب النظر والاستدلال العقلى على أصول العقيدة ، وعدم الاكتفاء بالتقليد فيها ...

أما السلف ومن له مزيد ارتباط بهم كالمحدثين والحنابلة والظاهرية فقد يظن بهم البعد عن استخدام العقل فى مسائل العقيدة ، والحق أنهم يعتمدون عليه ، وان كانت وظيفته عندهم ، قد تختلف عنها عند غيرهم من المتكلمين ، فهم يعتمدون عليه فى اتخاذ المعجزة دليلا على صحة الرسالة

أما فى المجال الشيعى ، فإن الاسماعيلية برغم نظريتهم فى التعليم الباطنى ، لم ينكروا نظريا أن للعقل دور ما ، واطلقوا عمليا عنان الفكر لفلاسفتهم ودعاتهم حتى انتهى بهم الأمر الى التحرر من كل قيود النص الدينى ونسخه تماما ... وكان للزيدية منذ نشأتهم ارتباط بالاعتزال ، أما الاثنا عشرية فقد انتهوا ايضا الى تبنى منهج المعتزلة فى التفكير الكلامى وإن خالفوهم فى بعض النتائج أو المواقف ...

كما أن من شارك فى البحث الكلامى من الصوفيه اصحاب منهج الكشف والرياضة الروحية كالغزالى والقشيرى والمحاسبى ، قد أعلو من قيمة العقل ومعارفه ....

وهكذا يتبين ان الأخذ بأدلة لعقل أمر تلتقى عليه المدارس الكلامية جميعا  ، ولم يكد يخرج عن هذا الاجماع اإلا الحشوية ...

الدليل النقلى حجيته وعلاقته بالدليل العقلى  

موقف المعتزلة الأوائل من الدليل النقلى

... لما جاء المعتزلة رفعوا من مكانة العقل وكادوا يسوون بينه وبين النص تماما كما يستفاد من كلام شيخهم واصل ، ومازالت هذه النزعة العقلية تنمو وتتزايد حتى جعلوا للدليل العقلى فى ميدان الكلام منزلة قد تعلوا على منزلة الدليل السمعى ، وإن ظلوا يعتمدون عليهما معا ، مع تحديد المجال الذى يقبل فيه كلا منهما

ويشمل الدليل السمعى عند المعتزلة ثلاثة أمور القرآن والاجماع والخبر المجمع عليه ، أى المتواتر أو المشهور ، ...

1 – فأما القران فانهم جميعا يعتمدون عليه بطبيعة الحال ، لكن اسرافهم فى استخدام سلاح التأويل يدعوهم الى مخالفة ظواهر نصوص الايات القرآنية غالبا بحجة التنزيه ..

2- أما الاجماع فقد شكك النظام فى وقوعه وفى حجيته وجوز اجماع الأمة على الباطل ، وتابعه على ذلك فريق من المعتزلة

3- أما الأحاديث فيبدو أن واصلا لم يقبل إلا المتواتر أو المشهور ...ثم جاء عمرو ابن عبيد فشكك فى الرواية والرواة ... ومال ابو الهذيل الى أن المتواتر حجة ، أما المشهور وخبر الواحد فلا يفيدان العلم .... ) ص 140

ثم انتهى الأمر بالمعتزلة بسبب فكرة الدور الى تقسيم مسائل علم الكلام الى ثلاث أقسام

1-   المسائل الاساسية التى تتوقف عليها صحة النبوة ، من اصول النظر والألوهية أى مسائل العدل والتوحيد ، فهذه لا يقبل فيها إلا دليل العقل وحده

2-   مسائل السمعيات التى لا مجال للعقل فيها كمقدار الثواب والعقاب وأحوالهما لا يقبل فيها إلا دليل السمع وحده

3-   ماخرج عن الأمرين السابقين كبعض الكمالات الإلهية ، التى لا تتوقف عليها صحة النبوة فيقبل فيها الدليلان معا ) ص 141

موقف الاشاعرة من الدليل النقلى وتطوره

... بدأو أول الأمر محتفظين بدرب من التوازن بين العقل والنقل أيام الأشعرى والباقلانى ، ثم أخذت كفة العقل ترجح على حساب النقل حيث تسربت فكرة الدور منذ الجوينى ومن جاءوا بعده ، الى ان بلغ هذا الإتجاه ذروته على يد الرازى ) (1)



يقول ابن تيمية عن طغيان دور العقل على النقل عند متأخرى الأشاعرة دون المتقدمين

في ذلك طريقة أبي عبد الله الرازي فأثبت العلم والقدرة والإرادة والحياة بالعقل وأثبت السمع والبصر والكلام بالسمع ولم يثبت شيئا من الصفات الخبرية وأما من قبل هؤلاء كأبي المعالي الجويني وأمثاله والقاضي أبي يعلى وأمثاله فيثبتون جميع هذه الصفات بالعقل كما كان يسلكه القاضي أبو بكر ومن قبله كأبي الحسن الأشعري وأبي العباس القلانسي ومن قبلهم كأبي محمد

_________ 



بن كلاب والحارث المحاسبي وغيرهما وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف من طريقة هؤلاء المتأخرين كما سنبين إن شاء الله تعالى وأيضا قائمة الصفاتية المتقدمون كابن كلاب والحارث المحاسبي والأشعري وأبي العباس القلانسي وأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الطبري والقاضي أبو بكر ابن الباقلاني وأبي إسحق الإسفرائيني وابي بكر بن فورك وغيرهم يثبتون الصفات الخبرية التي ثبت أن رسول الله ص - أخبر بها وكذلك سائر طوائف الإثبات كالسالمية والكرامية وغيرهم وهذا مذهب السلف والأئمة (1)....................

أساليب الجدل

غلبت على الدراسات الكلامية بحكم أنها فن دفاعى قبل كل شئ لا يهدف الى الكشف عن الجديد بقدر مايهدف الى الدفاع عن العقيدة

ومادة الجدل هى مسلمات الخصوم ، والقضايا التى قد تلقى القبول عندهم بصرف النظر عن قيمتها الذاتية

وأما أسلوبه فيتسم بالتشقيق وتعديد الإحتمالات ، وكثرة الفروض والحجج المتوالية  وقد تغنى عنها حجة واحدة حاسمة



_____________ 

وأما غايته فهى التغلب على الخصم وغالبا ما يكون ذلك بإثبات الدعوى عن طريق إفساد الحجة المعارضة لها بدلا من إثباتها بطريق مباشر

ومن وسائل الجدل

الاعتماد على مسلمات الخصوم ثم نقدها

وهو أن نبدأ من مقدمه يسلم بها الخصم ثم ننتهى الى نتيجة يرفضها الخصم

طريقة القسمة والتشقيق الجدلى

بأن يضع عدة فروض ثم يسعى لبيان فسادها جميعا  ماعدا واحدا منها ليثبت أنه الفرض الوحيد المقبول ولا يكاد يخلو دليل من أدلتهم من أقسام متعددة واحتمالات متوالية ( لو صح ماقلتموه فإما كذا وإما كذا وإن كان الأول فلا يخلوا الأمر ان يكون كذا أو كذا

طريقة الخلف : يعتمد على اسلوب القسمة بأن يردد الأمر بين إحتمالين لا ثالث لهما فى نظر المستدل فإذا بطل أحدهما وهو مايدعيه الخصم ثبتت دعواه هو بدون دليل بناء عن أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ) (1)

..............................



تقسيمات الإمام الغزالى للمناهج الكلامية

التمهيد الرابع

في بيان مناهج الأدلة

التي انتهجناها في هذا الكتاب

إعلم أن مناهج الأدلة متشعبة وقد أوردنا بعضها في كتاب محك النظر وأشبعنا القول فيها في كتاب معيار العلم. ولكنا في هذا الكتاب نحترز عن الطرق المتغلقة والمسالك الغامضة قصداً للايضاح وميلاً إلى الإيجاز واجتناباً للتطويل. ونقتصر على ثلاثة مناهج: المنهج الأول: السبر والتقسيم وهو ان نحصر الأمر في قسمين ثم يبطل أحدهما فيلزم منه ثبوت الثاني. كقولنا: العالم إما حادث وإما قديم، ومحال أن يكون قديماً فيلزم منه لا محالة أن يكون حادثاً أنه حادث وهذا اللازم هو مطلوبنا وهو علم مقصود إستفدناه من علمين آخرين أحدهما قولنا: العالم إما قديم أو حادث فإن الحكم بهذا الانحصار علم.

والثاني: قولنا ومحال أن يكون قديماً فإن هذا علم آخر.

والثالث: هو اللازم منهما وهو المطلوب بأنه حادث. وكل علم مطلوب، فلا يمكن أن يستفاد الا من علمين هما أصلان ولا كل أصلين، بل إذا وقع بينهما إزدواج على وجه مخصوص وشرط مخصوص، فإذا وقع الازدواج على شرطه أفاد علماً ثالثاً وهو المطلوب، وهذا الثالث قد نسميه دعوى إذا كان لنا خصم، ونسميه مطلوباً إذا كان لم يكن لنا خصم، لأنه مطلب الناظر ونسميه فائدة وفرعاً بالاضافة إلى الأصلين فإنه مستفاد منهما. ومهما أقر الخصم بالأصلين يلزمه لا محالة الاقرار بالفرع المستفاد منهما وهو صحة الدعوى.

المنهج الثاني: أن نرتب أصلين على وجه آخر مثل قولنا: كل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وهو أصل، والعالم لا يخلو عن الحوادث فهو أصل آخر، فيلزم منهما صحة دعوانا وهو أن العالم حادث وهو المطلوب فتأمل. هل يتصور أن يقر الخصم بالأصلين ثم يمكنه إنكار صحة الدعوى فتعلم قطعاً أن ذلك محال.

المنهج الثالث: أن لا نتعرض لثبوت دعوانا، بل ندعي إستحالة دعوى الخصم بأن نبين أنه مفض إلى المحال وما يفضي إلى المحال فهو محال لا محالة. مثاله: قولنا إن صح قول الخصم أن دورات الفلك لا نهاية لها لزم منه صحة قول القائل أن ما لا نهاية له قد انقضى وفرغ منه، ومعلوم أن هذا اللازم محال فيعلم منه لا محالة أن المفضي إليه محال وهو مذهب الخصم. فههنا أصلان: أحدهما قولنا إن كانت دورات الفلك لا نهاية لها فقد انقضى ما لا نهاية له، فإن الحكم بلزوم إنقضاء ما لا نهاية له - على القول بنفي النهاية عن دورات الفلك - علم ندعيه ونحكم به. ولكن يتصور فيه من الخصم إقراراً وإنكار بأن يقول: لا أسلم أنه يلزم ذلك. والثاني قولنا إن هذا اللازم محال فإنه أيضاً أصل يتصور فيه إنكار بأن يقول: سلمت الأصل الأول ولكن لا أسلم هذا الثاني وهو إستحالة إنقضاء ما لا نهاية له، ولكن لو أقر بالأصلين كان الاقرار بالمعلوم الثالث اللازم منهما واجباً بالضرورة؛ وهو الاقرار باستحالة مذهبه المفضي إلى هذا المحال.

فهذه ثلاث مناهج في الاستدلال جلية لا يتصور إنكار حصول العلم منها، والعلم الحاصل هو المطلوب والمدلول،) (1)

 ............

المنطق الأرسطى

(وضع متأخرو المتكلمين ثقتهم فى النظر العقلى ، واعتبروه الأساس الذى تقوم عليه أدلة المسائل الكلامية أو أكثرها ، وانتقدو المناهج الكلامية التقليدية ...

لقد أختاروا جميعا المنطق الأرسطى منهجا وطريقا ، وإن مزجوه ببعض العناصر الأخرى ، ومن أبرزهم فى ذلك الآمدى الذى يقرر فى أوائل غاية المرام : أن من حصلت عنده المواد الصادقة المقترنه  بالصورة الحقة التى يتولى بيانها المنطقى لم يجد فى نفسه جحد مايلزم عنها ، وهو يعرض فى كشف التمويهات قواعد المنطق متابعا لأبن سينا ومؤكد أن الغرض من المنطق أن تكون عند الانسان الة قانونية تعصم مرعاتها عن أن يضل فى فكره ... وفى كتبه وكتب المتأخرين كالمواقف والمقاصد وغيرها ما يعرفه كل من نظر فيها بحيث لايحوج الأمر الى إيراد أمثله ) (1)

من مناهج المتكلمين وأساليبهم

يذكر الدكتور محمد على أبوريان ثلاثة أساليب من أساليب المتكلمين

1-   طريقة البرهان الكلامى

فهو يتسلم مقدمات ويستنتج منها نتائج وتسمى هذه الطريقة التمانع أو ابطال اللازم بابطال الملزوم ... المتكلم يبدأ من أقوال الخصوم ثم يصل عن طريق البرهان الى نتائج تناقض هذه الأقوال فتبطلها ، أى يحاول ابطال النتائج فيكون هذا كافيا لإبطال المقدمات التى تقدم بها الخصوم ..ويرى الغزالى ان منهج المتكلم لا يصلح فى اقناع غير المسلم أو الجدلى الذى لا يسلم بغير البديهيات

2-   طريقة التأويل

يلجأ المتكلم الى تأويل النصوص التى يشعر أن مظهرها لا يتلائم مع الرأى الذى يريد أن يضعه وينصب التأويل عادة على الايات المتشابهة وبالفعل كان ظهور علم الكلام عن هذا الطريق

3-   طريقة التفويض

وهو ترك الأمر لله وإعتبار أن المسائل التى يبحثها المتكلمون فوق طور العقل ، يقول ابن خلدون :  ولا تثقن بما يزعم لك الفكر مني أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها، والوقوف على تفصيل الوجود كله، وسفه رايه في ذلك ، فلذلك نهانا الشارع عن النظر في الأسباب وأمرنا بالتوحيد المطلق " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ".....وقد أتى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأشياء يعجز العقل عن إدراكها ، ولكن الايمان بها واجب وهذا مضمون التفويض ) (1)



وما ذكره الدكتور ابو ريان يرجع الى احد المناهج الاساسية التى ذكرناها سايقا ، فالأول الى المنهج الجدلى ، والثانى الى المنهج العقلى الذى يسمح بالتأويل ، والثالث المنهج النقلى ، كما أن النقل الذى نقله عن ابن خلدون ليس بهذا الترتيب فى المقدمة





















(1) محمد على ابو رايان – تاريخ الفكر الفلسفى فى الإسلام – دار المعرفة الجامعية – 200 ص 218







من خصائص المنهج النقلي:



ويتمثل في الاعتماد على:

- الأخذ بالنص الشرعي - قرآناً او حديثاً - بحمله على ظاهره الحقيقي من غير تأويل.

- اجماع الامة.

- اجماع الصحابة.

- سيرة الصحابة.

- اجماع السلف - وهم مسلمو القرن الاول الهجري

- الخبر المتواتر.

- خبر الواحد المتلقى بالقبول، وعند بعضهم، خبر الواحد مطلقاً.

8 - عدم جواز الحمل على المجاز.

9 - التوقف في اعطاء الرأي:

أ - عند عدم وجود نص شرعي في المسألة.

ب - عند تعارض النصين الشرعيين وعدم وجود مرجح شرعي لاحدهما على الآخر.

ح - عند اجمال النص لانه متشابه أو لانغلاق فهم معناه أو لغيرهما.





من خصائص المنهج العقلى الصرف

1 - الضرورة العقلية (بداهة العقول).

2 - سيرة العقلاء.

3 - البديهيات العقلية (المنطقية) وهي: استحالة الدور واستحالة التسلسل، واستحالة اجتماع وارتفاع النقيضين.

4 - المبادئ الفلسفية المسلم بها، مثل: مبدأ العلية، مبدأ القسمة الى الواجب والممكن والممتنع.

5 - اعتبار النصوص الشرعية مؤيدة ومؤكدة لمدركات العقل واحكامه.

6 - تأويل النصوص الشرعية التي تخالف بظاهرها مرئيات العقول وفق مقتضيات القرينة العقلية.

7 - الأخذ بالمتشابه بتأويله في ضوء ما ينهي اليه النظر العقلاني.

وهو منهج المعتزلة ومن تأثر بهم.







خاتمة

ومن هذا يتضح أن المناهج التى أعتمد عليها علماء الكلام مشتركة بين الجميع ، ولكن قد تميز كل فريق فى تبنى منهج من المناهج بحيث يكون حاكما على غيره من المناهج ، وفى ثنايا كل منهج من هذه المناهج ، أساليب فرعية وطرق جدلية وكلامية ، ومسلمات عقدية ، وهناك من يجعل المنهج الصوفى منهجا كلاميا ، ويبدو لى أن هذا غير صحيح ، فالتصوف ليس علما قائما على الدفاع عن الدين بطرق عقلية ، بل هو سلوك وتجربة شعورية ، لذلك أعتقد أنه لايصح إدراجه كمهج كلامى

وهناك من يجعل المنهج الاشعرى منهجا مستقلا يقوم على التوفيق بين العقل والنقل ، وهذه حقيقة ، ولكننا قمنا بعرض المناهج مع بيان نصيب كل فرقة منها ، والخلط بين المناهج لتكوين مناهج جديدة سيفضى الى صعوبة فى احصاء المناهج على هذا النحو ، لتعدد الفرق الكلامية ، وكذلك سيتحول كل متكلم الى صاحب نهج جد يد ، وبهذا ستتحول المناهج الى الاف المناهج ، والصحيح هو تحديد المناهج الاساسية فى التناول لقضايا وموضوعات علم الكلام  

















المصادر

(1)        عبد الرحمن بن خلدون -  مقدِّمة ابن خَلدون –– دار ابن الجوزى  الطبعة الأولى – القاهرة - 2010ص

(2)  د مصطفى محمد حلمي - منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين - دار الكتب العلمية - الطبعة: الأولى- بيروت - 1426 هـ

(3)محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد - مصطلحات في كتب العقائد - درا بن خزيمة - الطبعة: الاولى

(4)        عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي - كتاب المواقف - تحقيق : د.عبد الرحمن عميرة - دار الجيل - الطبعة الأولى – بيروت – 1997-

(5)                د. حسن محمود الشافعى – المدخل الى دراسة علم الكلام – إدارة القرآن والعلوم الإسلامية – الطبعة الثانية –كراتشى باكستان – 1422- 2001

(6) ابن تيمية - العقيدة الأصفهانية –مكتبة الرشد – الطبعة الأولى الرياض – 1415

(7)  ابوحامد الغزالى -  الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي – كتاب الكترونى المصدر موقع الوراق والمكتبة الشاملة

(8)        محمد على ابو رايان – تاريخ الفكر الفلسفى فى الإسلام – دار المعرفة الجامعية – 200 ص 
218

هناك تعليقان (2):