الاثنين، 1 يونيو 2015

جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة


بسم الله الرحمن الرحيم


انور علوانى 

دخلت الفلسفة اليونانية الى الحضارة الإسلامية عن طريق الترجمة  الى اللغة العربية  مع منتصف القرن الثانى الهجرى ، فمنذ الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور ( 136- 158هـ) مرورا بالخليفة هارون الرشيد ( ت193ه ) الى الخليفة المأمون المعتزلي  ( 198- 218هـ) نشطت حركة الترجمة عبر هؤلاء بالتدريج ، ولا يمنع هذا من الإعتقاد أن الفلسفة كانت موجودة فى العصر الأموى  ، إن ابن كثير يذكر لنا أن علوم الأوائل – الفلسفة اليونانية – نقلت فى المائة الأولى ، كما أن ماورد عن نقد الهذيل العلاف وهشام بن الحكم للفلسفة اليونانية يدل أن الفلسفة دخلت مبكرا حتى قبل عصر الترجمة ، وتذكر المصادر العربية القديمة أن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان (ت 85 هـ) كان أول من أشتغل بالعلوم القديمة ، خاصة الكيميا بهدف تحويل المعادن الى ذهب وفضة ، لكنها كانت حتى عهد الترجمة شظايا متفرقة هنا وهناك ولم تكن ترجمة موسعة ومدعومة من الدولة كما حدث فى العهد العباسى .

وكانت الفرق والتيارات الدينية قد ظهرت قبل ذلك مبكرًا ، وكانت الإمبراطورية الإسلامية قد توسعت توسعا عظيما ، ففى نهاية المائة الأولى كانت الجيوش الإسلامية قد وصلت جنوب فرنسا وكانت خيول القائد  السمح بن مالك الخولاني  تزحف الى مقاطعتي سبتمانيا وبروفانس ،

وقد كانت بعض المدارس الفلسفية مازالت موجودة فى الاسكندرية وأنطاكية وحران والرها ونصيبين وجنديسابور  وكانت الترجمات الأولى متعلقة بالعلوم العملية كالطب ، وعلم الهيئة ، وكان المقصود بالفلسفة فى هذا الوقت مجموعة العلوم العقلية والحسابية والطبيعية ، ، أولها المنطق ،و ثانيها الطبيعيات  ،و الأجسام و المحسوسات .و ثالثها الإلهيات – الميتافيزيقا- و هي خاصة بغيبيات ما وراء الطبيعة .و رابعها المقادير ، و تسمى أيضا : التعاليم ، و تشمل عدة علوم ، كالهندسة ،و الأرثماطيقي – العدد - ،والموسيقى و الهيئة – علم الفلك -  .


الفلسفة فى مراحلها الأولى – وعوامل القبول :
دخلت الفلسفة العالم الإسلامى باعتبارها علوماً ، ولم تدخل على أنها فرقة عقائدية ( دينية )، وكانت الفائدة المرتجاة من الطب والهندسة وعلم الهيئة والحساب والمعارف الطبيعية جواز مرور آمن لما تبقى من قضايا  الفلسفة ، المتعلقة بما وراء الطبيعة  ، ولم يكن علم المنطق يثير أى شبهة فى بدايته ، ولم يكن الفقهاء والمحدثون تشغلهم كتب الفلسفة المترجمة وعلومها المختلفة ، ولا حتى ما قد يجدونه فيها من آراء مخالفة للشريعة  ، وما كان ليتفرغ أحد رجال الحديث والفقه ليطالع علوم اليونان فى هذا الوقت المبكر  ، وهو حتى أذا طالعها ، لم يشغله أن يرد عليها ، فهى فى النهاية أراء أمة وثنية بائدة ، كان الأوائل من علماء الكلام هم الجديرون بهذه المطالعة ، وهم الجديرون بالرد أيضًا ، وكان الأوائل من الفقهاء والمحدثون من السلف ينفرون من علم الكلام ذاته ويحذرون منه ، فما بالنا بالفلسفة اليونانية فيما يتعلق بتصور الإله  ، ومن هذا المنطلق الآمن دخلت الفلسفة وعلومها .

وماكان الخلفاء الذين أمروا بترجمة الكتب ليسمحوا لأحد أن ينتقدهم فى أعمالهم ، وكانت المعركة الفكرية المستعرة فى عهد المأمون حول خلق القرآن ، والتى تدخل فيها الخليفة نفسه ، وأمر بحمل الجميع على الاعتقاد بفكرته فى خلق القران ، لم يكن منبعها الفلسفة اليونانية ، بل منبعها المعتزلة بعقائدهم الكلامية ، صحيح أن المعتزلة متهمون بالتأثر بالفلسفة اليونانية - وأن لم يثبت هذا الزعم بأدلة قاطعة حتى الآن - ، لكنهم أيضا لهم أنظارهم العقلية ، ودرايتهم بالكتاب والسنة ، إذن لم تكن هناك مبررات كافية وواضحة للهجوم على الفلسفة اليونانية .

 لهذه الأسباب دخلت الفلسفة العالم الإسلامى دون أن تجد معارضة واضحة من أهل الفقه والحديث ، ولم يكن حتى هذا الوقت قد ظهر أحد من فلاسفة الإسلام ، وحتى الكندى الذى كان أولهم ظهورا ، كان معتزليا فى عقيدته ، أو أقرب الى الإعتزال ، وكان المعتزلة أنفسهم قد وجهوا بعض سهام النقد للفلسفة اليونانية  ، لكن كانت الفلسفة كما أوضحنا تحوى علوما شتى ترغب فى تعلمها ، وتسعى بها الى أفق الراغبين لمعرفة علوم الأوائل .

ومن ناحية أخرى فإن الفلسفة الأرسطية كانت قد اختلطت بغيرها من العناصر ، ولم تدخل الفلسفة الأرسطية بصورتها الحقيقية الى المسلمين ، بل شابتها ومازجتها الأفلاطونية المحدثة ، فأجزاء من تاسوعات أفلوطين باسم " أوثولوجيا " نسبت الى أرسطو ، وقد صبغت الأفلاطونية المحدثة الفلسفة المشائية بصبغة دينية عن الخالق  العظيم ، لم تكن الفلسفة فى معظمها منقولة عن فلاسفة دهريين ، بل كانت تعترف بالمبدع الأول ، وحظى سقراط بصورة القديس كما يشير الدكتور النشار ، يقول البطليوسى : (قَالَ أفلاطون : نَحن عاجزون عَن فهم مَا جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع وَإِنَّمَا نعلم من ذَلِك يَسِيرا ونجهل كثيرا وَلذَلِك كَانَ أرسطو يَأْمُرنَا بِالتَّسْلِيمِ لما جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع ويأمرنا بتأديب من تعرض لتعليل أوامرها ونواهيها وتعاطي الْخَوْض فِيهَا ) ( انظر أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي- الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة تحقيق : محمد رضوان الداية ، دار الفكر - الطبعة: الأولى، دمشق - سورية1408 هـ - 1988م ص:  54 )
وهكذا صور البطليوسى أفلاطون فى صورة المؤمن بشرائع الأنبياء المُعظم لها ، وكان هذا التصوير والتجميل  عنصرا من عناصر قبول الفلسفة اليونانية .
وكانت الأحداث الكبار فى العالم الإسلامى متلاحقة ، والقتال على كافة الجبهات مشتعل ضد الدول الخارجية ،  وكانت البدع التى تظهر بتأليه البشر فى معسكر الغلاة من الشيعة  وانتشار عقائد منحرفة هنا وهناك ، كل ذلك كان يغطى على قضية الفلسفة اليونانية ، ويضرب حولها ستارا كثيفا بحيث لا يأبه لها أحد ، ويرى د . الجابرى أن الدولة العباسية كانت تواجه الدعوة الدينية الباطنية ، ولم يكن بوسع المعتزلة مواجهة الغنوص الباطنى بمنطقهم البيانى وفلسفتهم الدينية الهرمسية ، وكان لابد من سلاح آخر لمواجهة الباطنية ومنهجها " العرفانى"  ولم يكن هذا السلاح سوى " اللغوس " أو العقل وكان لابد من الإستنجاد بمنطق أرسطو لمواجهة الغنوص الباطنى ، (ابو الوليد بن رشد – فصل المقال فى تقرير مابين الشريعة والحكمة من الإتصال – تقديم الدكتور محمد عابد الجابرى –تحقيق محمد عبد الواحد العسرى - مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى- بيروت –لبنان 1999 ، ص 19) ويبدو أن هذا سبب بعيد لترجمة المنطق اليونانى ، والأقرب أن نقول : أن المأمون كان معتزليا مولعا بالعقل ، وبالعلم القديم ، وهذا سبب كاف لحدوث هذه الترجمة ، خصوصا وهو يرى أن الفلسفة لا تبدو منها معارضة للدين أو قدح فى عقيدته ، لكن الدكتور الجابرى مولع برد كل الحركات الفكرية الى أسباب سياسية ، كما فى مقدمته على فصل المقال لإبن رشد ، مع أن الأغلب أن الحركات الدينية تنشأ لأسباب متعددة منها العقائدى والفكرى والاجتماعى والسياسى ثم تتحول لاحقا الى السياسة ، أو تستغل من قبل السياسة ، والحاصل أن العلوم الفلسفية تضمنت منافع عديدة متعلقة بما كان ينطوى تحتها فى ذلك الوقت من العلوم ، وهذا وحده سبب عقلانى ووجيه جدا للترجمة .

دخلت الفلسفة العالم الإسلامى دون ضجيج ضخم ودون معارضة قوية ، ووجدت موطئ قدم لها ، وانشغل بها عدد لا بأس به من المفكرين ، فأتت ثمارها ، وأينعت شجرتها ، ووجدت من يميل اليها ويتبناها ، وظهر فلاسفة الإسلام ، الذين درسوا فلسفة اليونان ونسجوا على منوالهم ، وأعادوا إحياء قضاياها الفلسفية ، وصنفوا فيها المصنفات ، ووضعوا لمسات خاصة بهم ، ولم يكتفوا بهذا بل حاولوا التوفيق بينها وبين الشريعة ، كلما وجدوا شيئا يقتضى ذلك ،
محاولة التوفيق بين الشريعة والفلسفة :

ظهر فلاسفة الإسلام وانتسبوا فى فكرهم العام الى الفلسفة الأرسطية المشائية ، وكان العديد منهم على دراية بعلوم الإسلام بحكم المولد والدراسة التقليدية ، وكان الغالب على المتفقهين منهم حفظ الفقه وعلم التفسير ، ومع تنامى دراسة الفلسفة وذيوعها بين طائفة من المسلمين ، تنامى التوجس منها والتحذير ، غير أنه لم يبلغ أن يكون هجوما قاطعا ، قوياً مؤثرا ، خصوصا وأن الدائرة الضيقة التى تدرس الفلسفة اليونانية ، لم يكن لها تأثير فى المحيط الإجتماعى ، وبحكم طبيعة هذه العلوم وطبيعة العصر لم يكن على عوام المسلمين أى تأثير منها ، كان التأثير يأتى من الحركات الفكرية الدينية التى تجعل الفلسفة جزء من بنائها الفكرى كالاسماعيلية ، وما فى سياقها من الحراكات الباطنية ، أو بعض المتكلمين من المعتزلة وغيرهم ، لكن كما قلنا تحمل هذه الحركات الدينية عناصر متعددة ، ويتصل فكرها بالعقل والشريعة كما يتصل بالفلسفة
 وكان الهجوم على هذه الحركات منصب على البدعة الظاهرة التى تقول بها الفرقة الدينية الكلامية ، ولم يكن  الكثير من الفقهاء ليحلل أصول هذه البدعة ومنابعها الأولى ، بل يُكتفى غالبا برد أصول البدعة الى شخص يهودى أو نصرانى ، وكانت الفلسفة سائرة فى طريقها بهدوء وروية فى بيئة محدودة من جماعة المشتغلين بعلوم الأوائل ، ومع سطوع نجم الفلاسفة الإسلاميين ، وظهور كتبهم فى أسواق الوراقين ، واتصال بعضهم بالخلفاء والحكام تعاظم قليلا دور الفلسفة  واتسعت الدائرة ،  لكن كلما زاد الظهور أتسعت دائرة النقد ، وكان لا بد من جهد للتوفيق بين الحكمة والشريعة ، لتلافى هجوم علماء الكلام الذى جاء مبكرا على  هجوم أهل الفقه والحديث .
الكندى (185 هـ/805 - 256 هـ/873) : وجهوده التوفيقية بين الفلسفة والشريعة

الكندي هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصّبّاح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،ولد في الكوفة في بيت من بيوت شيوخ قبيلة كندة. كان والده واليًا على الكوفة، حيث تلقى علومه الأولية، ثم انتقل إلى بغداد، حيث حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم، حيث جعله المأمون مشرفًا على بيت الحكمة - الذي كان قد أنشئ حديثًا لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة - في بغداد.
كان الكندى ذا نزعة إعتزالية رغم فلسفته المشائية ، وقد خضع لسلطة الدولة العباسية ، دولة الخلافة ، وكان متصلاً بالخلفاء ، خصوصاً من مال الى الإعتزال منهم ، واهتم بالفلسفة اليونانية ،

جهوده التوفيقية :
1-    كانت جهوده للتوفيق بين الدين والفلسفة  بادية من خلال معارضتة لنظرية البراهمة فى قصر المعرفة على العقل وحده ، فأخذ يدافع عن النبوة والوحى كمصدر للمعرفة بجانب العقل ، وكذلك التوفيق بين النبوة والعقل ، ويشيرابن النديم في كتابه (الفهرست) يقول: إن بين مؤلفات الكندي رسالة في إثبات الرسل، ورسالة أخرى في نقض مسائل الملحدين. كما حارب بقوة مسألة أزلية العالم وقدم الحجج على حدوثه
2-     ودافع عن وجود العلة الأولى التى اجمعت عليها الأديان والمذاهب (الأستاذ: ت . ج دى بور -تاريخ الفلسفة فى الإسلام – ترجمة د. محمد عبد الهادى أبوريدة –الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2010 ص 123 )

3 - لتوفيق من خلال التعريف بالفلسفة  ففى رسالة الكندى الى المعتصم ، يقول الكندى فى تعريف الفلسفة : " إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة وأشرفها مرتبة ، صناعة الفلسفة التي حدها : علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان ، لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق ، وفي عمله العمل بالحق .. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى : أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق " .( يعقوب بن إسحاق الكندي – رسائل الكندى الفلسفية – تحقيق محمد عبد الهادى ابوريدة  ، ص 1)

ومن خلال هذا التعريف يقدم الكندى الفلسفة باعتبارها صناعة هدفها معرفة الحقائق ..وهذا أمر لا يتعارض مع الدين إذ أن هدف الدين هو معرفة الحق والعمل به ، وبهذا تتوافق مهمة الفلسفة والدين ، لأن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية والوحدانية والفضيلة، وهذه العلوم تدعو إلى كل علم نافع والسبيل إلى هذه العلوم النافعة، كما أنها أيضا تدعو إلى الاحتراس والبعد عن كل ضار، وسيتضح لنا إن شاء الله تعالى كيف سيحاول الكندي جَهده التوفيق بين الفلسفة والدين، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولا: تعد صناعة الفلسفة عند الكندي من أعلى الصناعات الإنسانية منزلة وأسماها مرتبة، وسبب ذلك أن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق، وفي عمله العمل بالحق، ومعنى هذا أن الكندي يدافع عن الاشتغال بالفلسفة أو الحكمة بحيث لا يطعن فيها الطاعنون طالما أن المقصد منها نظريا كان أو عمليا من المقاصد النبيلة، ويوضح ذلك بقوله: إذا كان الفيلسوف يعني نظريا إلى إصابة الحق ويسعى من جهة العمل أن يعمل بالحق الذي يدركه بالنظر؛ فإنه لا يستطيع إذًا أحد من المهاجمين أن يطعن في الاشتغال بعلوم الفلسفة، طالما أن الغرض نظريا و عمليا من الأغراض الحقة المشروعة. فالدين لا يعارض الحق بل يدعمه  .

السبب الثاني أو النقطة الثانية التي دفعت الكندي إلى التوفيق بين الفلسفة والدين أنه قال: " إذا كان غرض الفيلسوف إصابة الحق فإننا لا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة، وعلة وجود كل شيء وثباته هو الحق. ويحاول الكندي أن يوضح ذلك وأن يبين بأن أشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى، والمراد بها علم الحق الأول الذي هو علة كل حق، ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف؛ لأن علم العلة الأولى هو أشرف من علم المعلول، لأنا إنما نعلم كل واحد من المعلومات علما تاما إذَا نحن أحطنا بعلم علته.

ثم إن الكندى فى رسالته للمعتصم  يقر بفضل السابقين فى هذا المجال وإن كانوا من غير أهل
الملة  فهو يرى أن " من الحق ألا نذم احد ا مادام كان سببا لمنافعنا الهزيلة فكيف بمن صار سببا لأحد منافعنا العظيمة ، ثم يعتذر عنهم ، بأنهم لو قصروا عن بعض الحق فقد كانوا لنا أنسابا وشركاء فيما أفادونا من ثمار فكرهم ،" (ابو يعقوب الكندى –رسائل الكندى الفلسفية – ص 1)
ثم يقرر أنه لولا جهود هؤلاء القدما ماكان يمكن لأحد أن يصل لكل هذه الحقائق ولو كان من أذكياء العالم ومن أكثرهم عمرا(المصدر السابق) ... وسنلاحظ أن هذه الأفكار سيكررها بعد قرون أبو الوليد بن رشد فى فصل المقال ، وهذه الافكار التى يطرحها الكندى لقبول الحقائق ممن جاء بها ، وشكرهم ولاعتبار بفضلهم فيه رد على الفكرة التى كانت تقول كيف لمسلم أن يقبل افكار فلاسفة وثنيين ويشتغل بها وهم على غير ملته ، فنجد الكندى يؤكد أن قبول الحق ممن جاء به ، ليس عيبا ، لأن الحق من طبيعته ألا يضاد الحق فى اى مكان ، ثم يؤكد الكندى على فكرة أن بعض الناس يتاجر بالدين ويعارض فكرة معرفة الأشياء بحقائقها ، والواجب ان يقدموا الدليل والبرهان على هذه المعارضة ، وتقديم الدليل والبرهان من خاصية علم الفلسفة فيكونوا قد أقروا بالفلسفة إذ أن الفلسفة من خواصها انها البحث عن الحق بالبرهان والعلل ، (المصدر السابق)
وحرب من حارب الفلسفة إنما للدفاع عن " كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق ، بل للترؤس والتجارة بالدين ، وهم عدماء الدين .. لأن من تجر بشيء باعه ، ومن باع شيئاً لم يكن له . فمن تجر بالدين لم يكد له دين ، ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفراً ، لأن في علم الأشياء بحقائقها على الربوبية ، وعلم الوحدانية ، وعلم الفضيلة ، وجملة علم كل نافع والسبيل إليه ، والبعد عن كل ضار والاحتراس منه ، واقتناء هذه جميعاً هو الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثناؤه .. فإن الرسل الصادقة صلوات الله عليها إنما أتت بربوبية الله وحده ، وبلزوم الفضائل المرتضاه عنده ، وترك الرذائل المضادة للفضائل في دواتها وايثارها "(المصدر السابق)
والرسل قد جاءت بالاقرار بالربوبية ولزوم الفضائل ونفى الرذائل وهذا هو لب ماتحاول اليه الفلسفة ولا تتعداها من المعرفة بعلة العلل وخالق الأشياء ، ومعرفة الحقيقة والتزامها وهذا جوهر دعوة الفلسفة ، وبهذا يتضح أن منهج الكندى قائم على التوفيق ، فهو قد عارض الأراء التى لاتتوافق مع الدين مثل قول بعض الفلاسفة بأزلية العالم ، ثم أنه قد دافع عن حقيقة أرسال الرسل وهى الفكرة التى ناهضها البراهمة ، ثم أكد على التوفيق من خلال تعريفه للفلسفة الهادفة لمعرفة الحق ، بل من جملة معارفها وعلومها تأكيد قضية الخلق والربوبية . لهذا يعد الكندى من أعظم الفلاسفة المسلمين الذين أكدوا التوافق بين الدين والفلسفة ، بل رفض بالأدلة العقلية الافكار المعارضة للدين عن أزلية العالم ، وقد جاء العلم الحديث مؤيدا للتصور  الدينى  فى هذه النقطة ، وبهذا يعد الكندى رائدا فى هذا المجال .    


ابن سينا( 370 هـ -980م/ 427 هـ -1037م).
ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، فيلسوف وعالم وطبيب مسلم من بخارى، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى (في أوزبكستان حالياً) كان أبوه  من مدينة بلخ (في أفغانستان حالياً) وأمه قروية من الاوزبك ، عُرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. وقد ألّف 200 كتابا في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب
التوفيق بين الفلسفة والشريعة عند ابن سينا
يقول الدكتور الجابرى ( أما الشيخ الرئيس فقد عمل بالفعل على تحقيق هذا النوع من التجاوز بمنهج إنتقائى تلفيقى يغذيه الطموح الى تأسيس فلسفة أخرى غير فلسفة المشائين التى يعتبرها فلسفة العامة من المتفلسفة فى عصره ، فلسفة مشرقية يقول عنها أنها زبدة الحق عنده أراد ابن سينا ان يوفق بين الأرسطية والأفلاطونية والفلسفة الهرمسية البا طنية وعلم الكلام المعتزلى بإدخال قيم وسطى بين القيم المتعارضة فى هذه المذاهب .
كان يعتقد أن قضية العلاقة بين الدين والفلسفة يمكن تجاوزها على العمل بإيجاد اجوبة فلسفية لقضايا العقيدة الدينية ، وقد جعله هذا المسلك يقترب الى حد الانخراط من الفلسفة الدينية الاسماعيلية التى قامت اصلا على الأساس نفسه ، إنشاء فلسفة دينية تكون بديلا عن الدين والفلسفة فى آن واحد .) (د محمد عابد الجابرى – مقدمة فصل المقال لإبن رشد – ص 38)
ثم يتحدث الدكتور الجابرى عن القضايا الثلاث الكبرى التى صدر بموجبها تكفير الغزالى اللفلاسفة وموقف ابن سينا التلفيقى فيها للجمع بين الدين والفلسفة ، وينتهى الجابرى أن لا احد من الفلاسفة قبلها ، ولا أحد من رجال الدين أرتضاها .
وابن تيمية رحمه الله يعطينا صورة أوسع عن مذهب ابن سينا التوفيقى بما لا يختص بالمسائل الثلاث المشهورة فيقول :  (وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة اراد ان يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما اخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه ومما احدثه مثل كلامه في النبوات واسرار الايات والمنامات بل وكلامه في بعض الطبيعيات و المنطقيات وكلامه فى واجب الوجود ونحو ذلك  والا فأرسطو واتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الاحكام التي لواجب الوجود وانما يذكرون العلة الاولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به ) (    تقى الدين ابن تيمية -  الرد على المنطقيين كتاب الكترونى ص: 43) والحقيقة أن وجهة نظر ابن تيمية دقيقة جدا وعلمية وقائمة على أستقراء لجهود ابن سينا ، فابن تيمية يثبت أن ابن سينا قدم توفيقا لم يوجد لدى اليونان وانما صاغه بتأثير التيارات الإسلامية من معتزله ورافضة واسماعيلية   
ثم يقول ابن تيمية " فابن سينا اصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض اصلاح ) (1) فهل  كانت محاولة ابن سينا ناجحة الى حد ما ، مما دفع ابن تيمية الى هذا القول ، الواقع اننا نستطيع أن نقول أن هذا التوفيق قد وجد صدى عند الإسلاميين ، لا بمعنى أنهم قبلوه واعتبروه شرعيا ومتفقا مع الدين ، لكن بمعنى أنهم لاحظوا عملية التقريب هذه وحمدوها له ، لكنها كانت غير كافية ، يقول ابن تيمية   (  وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من اقاويلهم المنطقية وغيرها وبينوا خطأهم ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم على بعض وأبو البركات وأمثاله قد ردوا على أرسطو ما شاء الله لأنهم يقولون إنما قصدنا الحق ليس قصدنا التعصب لقائل معين ولا لقول معين ) (2) والواقع إن الذى يهمنا هنا هل بالفعل قام الفلاسفة وخصوصا ابن سينا بعملية تقريب الفلسفة والدين عند التعارض هذا مايؤكده مؤرخ العقائد الكبير ابن تيمية اذ يقول " كل من سلك سبيل أولئك اليونان واتبعهم في حكمتهم والذين اتبعوهم من المتأخرين فصرحوا فيها بأشياء وقربوها إلى الملل "  (المصدر السابق، ص 144)

ويقول (وصار ابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهما يقربون أصول هؤلاء إلى طريقة الأنبياء ويظهرون أن أصولهم لا تخالف الشرائع النبوية" (الصفدية 1/ 237)
ومع معرفتنا بموقف الغزالى الذى انتهى الى تكفير ابن سينا والفلاسفة ، إلا أن ابن سينا وجد من يدافع عنه من المؤرخين الاسلاميين ، ويرفض الأقوال فيه ، ويعتذر عنه كما يظهر ذلك من كلام ابن تغرى بردى اذ يقول فى ترجمته  : " كان إمام عصره في الحكمة وعلوم الأوائل، بل كان إماماً في سائر العلوم. وتصانيفه كثيرة في فنون العلوم، حتى قيل عنه: إنه ليس في الإسلام من هو في رتبته. قال أبو عبد الله الذهبي: كان ابن سينا آية في الذكاء، وهو رأس الفلاسفة الإسلاميين الذين مشوا خلف العقول، وخالفوا الرسول - قلت: لم يكن ابن سينا بهذه المثابة بل كان حنفي المذهب، تفقه على الإمام أبي بكر بن أبي عبد الله الزاهد الحنفي - وتاب في مرض موته، وتصدق بما كان معه، وأعتق مماليكه، ورد المظالم على من عرفه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة إلى أن توفي يوم الجمعة في شهر رمضان. قلت: ومن يمشي خلف العقول، ويخالف الرسول، لا يقلد الأحكام الشرعية، ولا يتقرب بتلاوة القرآن العظيم." ( ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- 1/ 492) وكلام ابن تغرى بردى يشير لمنزلة ابن سينا العلمية  عند هذا المؤرخ ، كما يشير لشئ هام وهو كون ابن سينا سنى حنفى المذهب لتفقه على عالم حنفى وهذا مخالف لما هو مشتهر على السنة المحدثين من كون ابن سينا اسماعيليا او أماميا ، لا يمكن أنكار أن ابن سينا كان له الدور الكبير فى التوفيق بين الدين والفلسفة أكثر حتى من استاذه الفارابى ، وكان له تأثير فى كثير ممن جاء بعده .

الفارابى 260 هـ/874 م/ 339 هـ/950م :
أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي .. فيلسوف مسلم اشتهر بإتقان العلوم الحكمية وكانت له قوة في صناعة الطب. ولد الفارابي في مدينة فاراب، ولهذا اشتهر باسمه. نسبة إلى المدينة التي عاش فيها . كان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجول بين البلدان وعاد إلى مدينة دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل إليه في إدخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء. تأثر به كل من ابن سينا وابن رشد.

تنقل في أنحاء البلاد وفي سوريا، قصد حلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني فترة ثم ذهب لدمشق وأقام فيها حتى وفاته عن عمر يناهز 80 عاماً ودفن في دمشق، ووضع عدة مصنفات .
جهوده فى التقريب بين الفلسفة والشريعة
فى إعتقادى أن الفارابى هو أضعف الفلاسفة الاسلاميين فى محاولة التقريب ، لأنه يرى أن الفلسفة هى الحق المطلق ، ويجب أن تكون الملة تابعه للفلسفة ، بل ونابعة منها ، وهنا فقط تستطيع الفلسفة الدفاع عن الملة ، لكن إذا لم يكن الأمر هكذا ، وحدث التعارض بين الملة والفلسفة فإن أهل الفلسفة عليهم أن يعارضوا اهل  الملة ، لكن يجب عليهم أن لا يظهروا المعارضة للملة نفسها ، بل عليهم أن "يتحرّو أن لا يعاندواالملّة نفسها بل إنّما يعاندونهم في ظنّهم أنّ الملّة مضادّةللفلسفة ويجتهدون في أن يُزيلوا عنهم هذا الظنّ بأن يلتمسوا تفهيمهم أنّ التي في ملّتهم هي مثالات." وفى حالة اخرى قد تكون الملة بنيت على الفلسفة باطلة ، فيقول : (وإذا كانت الملّة تابعة لفلسفة هي فلسفة فاسدة ثمّ نُقلت إليهم بعد ذلك الفلسفة الصحيحة البرهانيّة، كانت الفلسفة معاندة لتلك الملّة من كلّ الجهات وكانت الملّة معاندة بالكلّيّة للفلسفة. فكلّ واحدة منهما تروم إبطال الأخرى، فأيّتهما غلبت وتمكّنت في النفوس أبطلت الأخرى أو أيّتهما قهرت تلك الأمّة أبطلت عنها الأخرى.) وللإنصاف علينا أن ننقل رأى ابو نصر كاملا ، وهو فى نفسه واضح فيقول تحت عنوان (الصلة بين الملّة والفلسفة )
: فإذا كانت الملّة تابعة للفلسفة التي كملت بعد أن تميّزت الصنائع القياسيّة بعضها عن بعض على الجهة والترتيب الذي اقتضينا كانت ملّة صحيحة في غاية الجودة. فأمّا إذا كانت الفلسفة لم تصر بعد برهانيّة يقينيّة في غاية الجودة، بل كانت بعد تُصحَّح آراؤها بالخطبيّة أو الجدليّة أو السوفسطائيّة، لم يمتنع أن تقع فيها كلّها أو في جلّها أو في أ كثرها آراء كلّها كاذبة لم يُشعَر بها، وكانت فلسفة مظنونة أو مموّهة. فإذا أُنشئت ملّة مّا بعد ذلك تابعة لتلك الفلسفة، وقعت فيها آراء كاذبة كثيرة. فإذا أُخذ أيضا كثير من تلك الآراء الكاذبة وأُخذت مثالاتها مكانها، على ما هو شأن الملّة فيما عسر وعسر تصوّره على الجمهور، كانت تلك أبعد الحقّ أ كثر وكانت ملّة فاسدة ولا يُشعَر فسادها. وأشدّ من تلك فسادا أن يأتي بعد ذلك واضع نواميس فلا يأخذ الآراء في ملّته من الفلسفة التي يتّفق أن تكون في زمانه بل يأخذ الآراء الموضوعة في الملّة الأولى على أنّها هي الحقّ، فيحصلها ويأخذ مثالاتها ويعلّمها الجمهور، وإن جاء بعده واضع نواميس آخر فيتبع هذا الثاني، كان أشدّ فسادا. فالملّة الصحيحة إنّما تحصل في الأمّة متى كان حصولها فيهم على الجهة الأولى، والملّة الفاسدة تحصل فيهم متى كان حصولها على الجهة الثانية. إلاّ أنّ الملّة على الجهتين إنّما تحدث بعد الفلسفة، إمّا بعد الفلسفة اليقينيّة التي هي الفلسفة في الحقيقة وأمّا بعد الفلسفة المظنونة التي يُظَنّ بها أنّها فلسفة من غير أن تكون فلسفة في الحقيقة، وذلك متى كان حدوثها فيهم عن قرائحهم وفِطَرهم ومن أنفسهم. وأمّا إن نُقلت الملّة من أمّة كانت لها تلك الملّة إلى أمّة لم تكن لها ملّة، أو أُخذت كانت لأمّة فأُصلحت فزيد فيها أو أُنقص منها أو غُيّرت آخر فجُعلت لأمّة أخرى فأُدّبوا بها وعُلّموها ودُبّروا بها، أمكن أن تحدث الملّة فيهم قبل أن تحصل الفلسفة وقبل أن يحصل الجدل والسوفسطائيّة، والفلسفة التي لم تحدث فيهم عن قرائحهم ولكن نُقلت إليهم عن قوم آخرين كانت هذه فيهم قبل ذلك، أمكن أن تحدث فيهم بعد الملّة المنقولة إليهم.

فإذاكانت الملّة تابعة لفلسفة كاملة وكانت الأمور النظريّة التي فيها غير موضوعة فيها كما هي في الفلسفة بتلك الألفاظ التي يعبَّر بها عنها بل إنّما كانت قد أُخذت مثالاتها مكانها إمّا في كلّها أو في أ كثرها، ونُقلت تلك الملّة إلى أمّة أخرى منغير أن يعرفوا أنّها تابعة لفلسفة ولا أنّ ما فيها مثالات لأمور نظريّة صحّت في الفلسفة ببراهين يقينيّة بل سُكت عن ذلك حتّى ظنّت تلك الأمّة أنّ المثالات التي تشتمل عليها تلك الملّة هي الحقّ وأنّها هي الأمور النظريّة أنفسها، ثمّ نُقلت إليهم بعد ذلك الفلسفة التي هذه الملّة تابعة لها في الجودة، لم يؤمَن أن تضادّ تلك الملّة الفلسفة ويعاندها أهلها ويطّرحونها، ويعاند أهل ُ الفلسفة تلك الملّة ما لم يعلموا أنّ تلك الملّة مثالات لما في الفلسفة. ومتى علموا أنّها مثالات لما فيها لم يعاندوها هم ولكنّ أهل الملّة يعاندون أهل تلك الفلسفة. ولا تكون للفلسفة ولا لأهلها رئاسة على تلك الملّة ولا على أهلها بل تكون مطّرَحة وأهلها مطّرَحة، ولا يلحق الملّة كثير نصرة من الفلسفة، ولا يؤمَن أن تلحق الفلسفة وأهلها مَضرَّة عظيمة من تلك الملّة وأهلها. فلذلك ربّما اضطر أهل الفلسفة عند ذلك إلى معاندة أهل الملّة طلبا لسلامة أهل الفلسفة. ويتحرّون أن لا يعاندواالملّة نفسها بل إنّما يعاندونهم في ظنّهم أنّ الملّة مضادّةللفلسفة ويجتهدون في أن يُزيلوا عنهم هذا الظنّ بأن يلتمسوا تفهيمهم أنّ التي في ملّتهم هي مثالات.
وإذا كانت الملّة تابعة لفلسفة هِي فلسفة فاسدة ثمّ نُقلت إليهم بعد ذلك الفلسفة الصحيحة البرهانيّة، كانت الفلسفة معاندة لتلك الملّة من كلّ الجهات وكانت الملّة معاندة بالكلّيّة للفلسفة. فكلّ واحدة منهما تروم إبطال الأخرى، فأيّتهما غلبت وتمكّنت في النفوس أبطلت الأخرى أو أيّتهما قهرت تلك الأمّة أبطلت عنها الأخرى.
وإذا نُقل الجدل أو السوفسطائيّة إلى أمّة لها ملّة مستقرّة ممكَّنة فيهم فإنّ كلّ واحد منهما ضارّ لتلك الملّة ويهوّنها في نفوس المعتقدين لها، إذ كانت قوّة كلّ واحدة منهما فعلها إثبات الشيء أو إبطال الشيء أو إبطال ذلك الشيء بعينه. فلذلك صار استعمال الطرق الجدليّة والسوفسطائيّة في الآراء التي تمكّنت في النفوس عن الملّة يُزيل تمكّنها ويوقع فيها شكوكاويجعلها بمنزلة مالم يصحّ بعد ويُنتظَر صحّتها، أو يُتحيَّر فيها حتّى يُظَنّ أنّها لا تصحّ هي ولا ضدّها. ولذلك صار حال واضعي النواميس ينهون عن الجدل والسوفسطائيّة ويمنعون منهما أشدّ المنع. وكذلك الملوك الذين رُتّبوا لحفظ الملّة - أيّ ملّة كانت - فإنّهم يشدّدون في منع أهلها ذينك ويحذّرونهم إيّاهما أشدّ تحذير.
فأمّا الفلسفة فإنّ قوما منهم حنوا عليها. وقوم أطلقوا فيها. وقوم منهم سكتوا عنها. وقوم منهم نهوا عنها، إمّا لأنّ تلك الأمّة ليس سبيلها أن تُعلَّم صريح الحقّ ولا الأمور النظريّة كما هي بل يكون سبيلها بحسب فِطَر أهلها أو بحسب الغرض فيها أو منها أن لا تطّلع على الحقّ نفسه بل إنّما تؤدَّب بمثالات الحقّ فقط أو كانت الأمّة أمّة سبيلها أن تؤدَّب بالأفعال والأعمال والأشياء العمليّة فقط لا بالأمور النظريّة أوبالشيء اليسير منها فقط، وإمّا لأنّ الملّة التي أتى بها كانت فاسدة جاهليّة لم يلتمس بها السعادة لهم بل يلتمس واضعها سعادة ذاته وأراد أن يستعملها فيما يسعد هو به فقط دونهم فخشى أن تقف الأمّة على فسادها وفساد ما التمس تمكينه في نفوسهم متى أطلق لهم النظر في الفلسفة. وظاهر في كلّ ملّة كانت معاندة للفلسفة فإنّ صناعة الكلام فيها تكون معاندة للفلسفة، وأهلها يكونون معاندين لأهلها، على مقدار معاندة تلك الملّة للفلسفة. ) الحروف (ص: 44)

ابن رشد (520 هـ- 595 هـ) 1126-1198م :
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد ، واشتهر باسم ابن رشد الحفيد ولد فى  قرطبة - وتوفي  فى مراكش هو فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي أندلسي. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبي،.ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري،. يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح لعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً في قرطبة.،تولّى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضين له بالكفر و الإلحاد ثم أبعده أبو يعقوب يوسف إلى مراكش  وتوفي فيها (1198 م)
محاولة ابن رشد التوفيق بين الحكمة والشريعة :
1- بدأ ابن رشد بتحديد معنى الفلسفة (فعل الفلسفة ليس أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع) والشرع قد ندب على ذلك أو واجب العمل به كما في قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) "الأعراف: 184" (فاعتبروا يا أولي الأبصار) "الحشر: 2".و الاعتبار والنظر لا يكون إلا بالقياس العقلي" إذ الاعتبار ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه،و هذا هو القياس ولئن قال قائل أن النظر بالقياس الفقهي لم يكن في أول الإسلام  فإنه أستنبط ولم يقل أحد أنه بدعة كذلك يجب ان نعتقد فى  القياس العقلى ، وأكثر اصحاب هذه الملة مثبتون للقياس العقلى ، إلا طائفة من الحشوية قليلة ، وهم محجوجون بالنصوص .
ولما تبين أن الشرع يحث على الأخذ بالقياس العقلي ويوجبه كان على الناس والواجب على المفكر أن يدرس قوانين القياس وذلك بتعلم المنطق والفلسفة.، وعلينا أن نستفيد ممن سبقونا ولو كانوا غير مشاركين لنا فى الملة ، فما كان من صوابهم قبلناه ، وما كان من خطئهم نبهنا عليه
" انطلق ابن رشد من الشريعة إلى إقرار مشروعية الفلسفة والقياس العقلي، وكانت الحصيلة الفقهية التي امتلكها ابن رشد كفقيه مالكى تؤهله لأن يبدأ هذا " الفحص " الشرعى الذي خاضه في كتاب فصل المقال في تقرير مابين الشريعة والحكمة من الاتصال.
‌أ-   وكانت البداية التي بدأ منها بداية فقهيه بطرح تصور للمحكوم عليه (الفلسفة) ، إذ أن القاعدة الفقهية تقرر أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومعرفة حقيقته، إذ لا يمكن الحكم على المجهول، وكان التصور الذي طرحه لتعريف الفلسفة هو أن: " فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها. وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم ، كانت المعرفة بالصانع أتم"( ).
الخطوة الثانية المعهودة في النظر الفقهى إما تقرير الأصل الشرعى الذي تنطوى تحته المسألة الفرعية فيكون الحكم على المسألة هنا من جهة النص، أو بيان حكم المثيل والقياس عليه بأحد نوعى القياس الشبه أو العلة المشتركة، وفى هذا التعريف الذي قدمه ابن رشد وجد أصلاً تنطوى تحته المسألة فقال: " وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحث على ذلك. فبيِّن أنَّ ما يدُل عليه هذا الاسم إما واجب بالشرع، وإما مندوب اليه." ( ) وقبل أن يسترسل انتقل لبيان دليل الأصل الذي أدخل المسألة تحت حكمه، وهذا الأصل هو(الاعْتِبَارُ) ، والاعتبار كما تشير معاجم اللغة هو التدبر والقياس على المُشاهد( ).
‌ب- وتشير دلالات الكلمة إلى المعنى المباشر للقياس، قال ابن رشد: "فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به، فذلك بين في غير ما آية من كتاب الله، تبارك وتعالى، مثل قوله تعالى  {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معاً ومثل قوله تعالى " {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185] ؟ وهذا نص بالحث على النظر في جميع الموجودات.
وأعلم أن ممن خصه الله تعالى بهذا العلم وشرفه به، إبراهيم عليه السلام. فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام: 75]. - وقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } [الغاشية: 17، 18] ؟ وقال {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران: 191]. إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة"( ).
وهنا استخرج ابن رشد حكم الوجوب من فعل الأمر "فاعتبروا" في الآية الأولى ؛ لأن الغالب عند الأصوليين أن الأمر يفيد الوجوب إذا تجرد عن القرينة الصارفة إلى الندب أو الإباحة أو إلى معنى آخر، كذلك الآية بعدها آية سورة الأعراف حيث تضمنت صيغة تعجب من ترك النظر، وقد أستدل بهذه الآيات من قال بوجوب النظر من الأشاعرة وعدوها  دليلاً على مشروعية علم الكلام، واستدل ابن رشد بهذه الآيات على شيئين: (أنور فرج علوانى -  قضية التأويل بين ابن رشد وفخر الدين الرازي (دراسة تحليلية نقدية مقارنة) مكتبة كلية الآداب ، الاسكندرية  ، ص 55)
 2 ضرورة التأويل:
ويرى ابن رشد أن الفلسفة موافقة للدين والدين موافق للفلسفة فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه وإذا كان في القرآن والحديث أقوال والحديث تخالف في ظاهرها حقائق الفلسفة وتوهم أن الفلسفة تضاد المشرع فإن ذلك ما هو إلا ظاهر يقبل التأويل ،والتأويل هو إخراج دلالة اللفظ عن الدلالة الحقيقية الى الدلالة المجازية ، بما لايخل بعادة لسان العرب ،  ولهذا المعنى أجمع المسلمون على أنه ليس يجب أن تحل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها. والاجماع فى النظريات متعذر ، والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر و الباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق. ولما أراد ابن رشد أن يصف البشر عمد إلى نظرية الفلاسفة في تقسيم القياس فقال أن الناس ثلاثة أنواع موافقون لثلاثة انواع من القياس
1) القياس البرهاني: يقوم على مقدمات يقيني ويرتكز على مبدأ أول من مبادئ العقل وهو من ثم ذا نتيجة يقينية وهو القياس الفلسفي.
2) القياس الجدلي: ويقوم على مقدمات محتملة وتكون النتيجة محتملة وهو لا يصلح إلا أن يكون أداة للجدل والمناظرة.
3) القياس الخطابي: ويستند إلى مقدمات واهية موافقة لاستعدادات السامع العاطفية فهو قياس عاطفي يهدف إلى التأثير أكثر مما يهدف إلى الإفهام. وعلى هذا الأساس قسم ابن رشد البشر إلى ثلاثة أصناف: البرهانيون وهم الفلاسفة والجدليون وهم المتكلمون والخطابيون وهم عامة الناس.( ابو الوليد ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال – تحقيق د. محمد عمارة – دار السلام – الطبعة الأولى – مصر – 2012 ص 33 الى ص72 )
والنقطة المهمة فقد أكد ابن رشد أن الشرع قد قدم خطابا موزعا على الاساليب الثلاثة وقد راعى الجمهور بحكم أنهم معظم الناس .
الدفاع عن الفلاسفة ضد تكفير الغزالى
كان الغزالى قد كفر الفلاسفة فى ثلاث مسائل وهى قولهم؛ بقِدم العالم” قضية القدم والحدوث”، أن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات وبإنكار حشر الأجساد في الآخرة اكتفاء ببعث الأرواح فقط. وقد رد ابن رشد على الثلاث نقاط ، كما تتبع الغزالى فى كتاب تهافت التهافت ورد على كتابه تهافت الفلاسفة والحاصل أن ابن رشد من انجح الفلاسفة فى تقديم خطاب دينى متوازن وعقلانى ،

النتائج :
(1) دخلت الفلسفة اليونانية العالم الإسلامى باعتبارها علوم ، ولم تدخل باعتبارها مذهبا عقائديا
(2)  كانت الحاجة الى العلوم المرتبطه بالفلسفة المحضة ستاراً كثيفاً يحجب أى أراء أخرى
(3)  الحكم على الشئ فرع من تصوره وبالتالى لم يكن من الممكن أن يحكم الفقهاء والمحدثون والمتكلمون على الفلسفة إلا بعد الدراية بها وتصورها وتقدير تأثيراتها
(4)  كانت الترجمات الأولى بأمر من الخلفاء وكان هذا كفيل بتقليل سهام النقد
(5)  كانت الفرق الدينية قد ظهرت ولم يكن من الممكن تحليل أراء كل فرقة لمعرفة مدى تأثرها بالفلسفة من عدمه ، وكان النقد يتجه مباشرة لهذه الفرق ، بغض النظر عن أصول أراءها
(6)  كانت الفلسفة اليونانية مشوبه بمذهب الأفلاطونية الحديثة ، وكانت الأفلاطونية الحديثة تحمل تأثيرات من الأديان الشرقية والمسيحية ، وكان هذا كفيل بإثراء الفلسفة بأفكار دينية عن الخالق والخلق والخير والشر وهذا كله قريب من المعتقد الدينى فى الجملة دون التفصيل
(7) ظهر فلاسفة اليونان فى كتابات الفلاسفة من المسلمين بأثواب من يؤمن بشرائع الأنبياء ويراها فوق المناقشة والتقدير العقلى
(8) كان ابويوسف يعقوب بن اسحاق الكندى أقرب فلاسفة الإسلام من الدين ، ولم تشتد الأصوات بنقده كما نقدت غيره
(9)  دافع الكندى عن الاسلام ضد المذاهب الفكرية الخارجية وكان هذا من أدوات التقريب الجيدة ، ولم يكن الكندى يرى فارقا بين هدف الدين وهدف الفلسفة أذ غرضيهما هو الوصول للحق والعمل به
(10)    أسس ابن سينا فلسفة مشرقية توخى فيها التوسط بين فلسفة اليونان ومذاهب المتكلمين والدين
(11)   اعترف ابن تيمية ان ابن سينا أصلح الفلسفة اليونانية بعض اصلاح وقربها من الملة الاسلامية ، وهذا يناقض رأى الدكتورعابد الجابرى فى أن ابن سينا فشل فشلا ذريعا فى محاولته التوفيقية
(12)    كان ابو نصر الفارابى أبعد الفلاسفة المشهورين الأربعة فى عملية التوفيق إذ أنه كان يرى أن الفلسفة هى الحق المطلق والدين تابع للفلسفة فى الوجود وتابع لها فى دوره الاجتماعى وما فيه هى خيالات ورموز للمذهب الحق الذى هو الفلسفة الصحيحة ، وحتى يتلائم الدين مع الفلسفة فيجب أن يكون مبنيا على الفلسفة ، فإذا لم يكن كذلك كان تعاند الدين والفلسفة أشد وبالتالى فإن التوفيق المتاح فى هذه الحالة هى محاولة أهل الفلسفة أفهام أهل الدين أن مافى دينهم هو خيالات ورموز تدل على الفلسفة الصحيحة وأنهم يفهمون الدين بصورة غير صحيحة
(13)      كانت محاولة ابن رشد من أنجح المحاولات للتوفيق بين الدين والفلسفة   أذ استطاع كفقيه أن يناقش ابوحامد والأشاعرة فى المسائل موضع النزاع ، ويدفع بحجج كلامية مما يقر بها الفريق المخالف ، ويلزمهم بنتائج ابحاثهم وتقريراتهم ، كما أنه قدم أدلة على وجوب القياس العقلى والنظر من القرآن مما يؤكد عدم مخالفة النظر العقلى للشريعة.

المصادر والمراجع
(1) أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي- الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة تحقيق : محمد رضوان الداية - دار الفكر - الطبعة: الأولى، دمشق - سورية1408هـ - 1988م
(2) ابو الوليد بن رشد – فصل المقال فى تقرير مابين الشريعة والحكمة من الإتصال – تقديم الدكتور محمد عابد الجابرى –تحقيق محمد عبد الواحد العسرى - مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى- بيروت –لبنان 1999

(3)    الأستاذ: ت . ج دى بور -تاريخ الفلسفة فى الإسلام – ترجمة د. محمد عبد الهادى أبوريدة –الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2010

(4) يعقوب بن إسحاق الكندي – رسائل الكندى الفلسفية – تحقيق محمد عبد الهادى ابوريدة    
(5) تقى الدين ابن تيمية - الرد على المنطقيين-
(7) تقى الدين بن تيمية – الصفدية
(8)  تقى الدين ابن تيمية الصفدية 
(9) ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- كتاب الكترونى
(10)   ابو نصر الفارابى – كتاب الحروف – كتاب الكترونى –
(11 ) ابو الوليد ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال – تحقيق د. محمد عمارة – دار السلام ،
(12) أنور فرج علوانى -  قضية التأويل بين ابن رشد وفخر الدين الرازي (دراسة تحليلية نقدية مقارنة) رسالة ما جستير  بمكتبة كلية الآداب ، جامعة الاسكندرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق