الأحد، 31 مايو 2015

المنهج العلمى عند علماء الفلك المسلمين



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

منذ فجر التاريخ كانت المنطقة العربية موطن حضارات قديمة عريقة ، متصلة فى أنسابها ، تجمع بينهم صفات مشتركة ، يشتركون فى كثير من الخصائص وقواعد اللغة ، وقد أكتسبت هذه الحضارات معارف شتى ، وكانت جهودها فى العلوم الطبيعية والكونية ملموسة ، بل كانت أحيانا تثير الدهشة ، بما بلغته من علوم فى هذه الفترة البعيدة من عمر التاريخ

ثم جاء فلاسفة الأغريق – وهم جيران هذه الحضارات – فدرسوا علوم هذه الحضارات واطلعوا عليها ، يقول توماس جولدشتاين (( وعلى المستوى التجريبى لجمع الحقائق والملاحظة المباشرة ، أزدهرت العلوم فى المناخ النابض للثقافات الأولى ، كان صعود الحضارة فى الشرق القديم ، مؤديا بقوة الى فكر علمى أساسى ، وتكنولوجيا أساسية ، رغم أن التفسير الدينى لطريقة عمل الكون كان يميل الى إعاقة ظهور فلسفة طبيعية مكتملة )) (1)

لقد تكونت الحضارة فى الشرق قبل أن تتكون فى بلاد الأغريق ، وبدأ الناس فى رصد السماء ، وممارسة العلم ، قبل أن يصبح للإغريق مدنية ، وربما قبل أن تستوطن القبائل المهاجرة بلاد اليونان ، ولقد أستفاد الأغريق من علوم الشرق وطوروها ، ووثبوا بها وثبة رائعة لا يمكن إنكارها ، وكان هذا التطوير لبنة أساسية فى صرح العلوم الطبيعية ومنها علم الفلك

وكان العلم اليونانى هو نقطة البدء فى الحضارة الإسلامية فيما بعد ، ومع ذلك فإن علم الفلك والعلوم الطبيعية لم تكن مجهولة عند عرب الجزيرة خصوصا قبل ظهور الإسلام ، فقد عرف عرب الجاهلية الأبراج ، وعددا من النجوم والكواكب ، وكانت لها أسماء عربية ، كالثريا والفرقدين ، وأسماء بابلية أو كلدانية أو فارسية كالمريخ وزحل والمشترى والزهرة ، وأستعان العرب بمواقع النجوم ومطالعها للإهتداء فى البرارى ، والإستدلال على الجهات ، واهتموا بحركات القمر فحسبوا به الشهور والسنين . وبطبيعة الحال لم تكن هذه المعرفة فى مستوى معرفة اليونان وعلومهم ، ولهذا نقول إن ترجمة علوم اليونان كانت لبنة مساعدة فى  


(1)             توماس جولدشتاين : المقدمات التاريخية للعلم الحديث : ترجمة أحمد حسان عبد الواحد : مكتبة الأسرة :  مصر : 2004 ص64









ظهور العلم العربى ، كان نقطة البداية ، ثم مالبس أن تغير الحال فى الحضارة الإسلامية ، فقد هضم المسلمون ما وصلهم من علوم اليونان الطبيعية ، وأنتجوا الجديد فى هذا المجال ، واتسعت مداركهم ، وتعرضوا بالنقد والتمحيص لكتب

اليونان ، وصححوا بعض أغلاطها ، وظهرت على أيدى رجال الحضارة الإسلامية منهجية جديدة للنظر فى العلوم ، لم تكن متوفرة من قبل

تقول زيغريد هونكه : ( إن الإغريق تقيدوا دائما بسيطرة الأفكار النظرية ، ولم يبدأ البحث العلمى القائم على الملاحظة والتجربة إلا عند العرب ) (1)

ويظهر المنهج الجديد فى كلام ابن الهيثم ، حيث يقول :

( والواجب على الناظر فى كتب العلوم ، إذا كان غرضه معرفة الحقائق ، أن يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه ، ويجيل فكره فى متنه ، وفى جميع حواشيه ، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه ، ويتهم نفسه أيضا عند خصامه ، فلا يتحامل عليه ، ولا يتسمح فيه ، فإنه إذا سلك هذه الطريقة ، إنكشفت له الحقائق ، وظهر ما عساه وقع فى كلام من تقدمه ، من التقصير والشبه ) (2)

ثم تحدث عن نقده وتمحيصه لكتب بطليموس ، فيقول عن هذه الكتب ( وجدنا فيها علوما كثيرة  ، ومعان غزيرة ، كثيرة الفوائد ، عظيمة المنافع ، ولما خصمناها وميزناها ، وتحرينا إنصافه وإنصاف الحق منه ، وجدنا فيها مواضع مشبهة ، والفاظا بشعة ، ومعان متناقضة ) (3) 

إذن لم يكن علماء المسلمين مجرد نقلة فحسب، بل كانوا أصحاب منهج يتحرى الحق ، فيجعل الباحث منهم "خصما لكل ما ينظر فيه " ناقدا لما تركه الأقدمون ، يقوم علمه على الإستقراء و التجربة و"الإمتحان" 

يقول ابن الهيثم :  ( نبتدئ فى البحث باستقراء الموجودات ، وتصفح أحوال المبصرات ، وتمييز خواص الجزئيات ، ونلتقط باستقراء مايخص البصر فى حال

_____________________________   

(1)             زغريد هونكه :شمس العرب تسطع على الغرب –– ترجمة فاروق بيضون – دار الجيل بيروت  الطبعة الثامنة -1413 هـ - 1993 م -ص 401

(2)             أ. د . ماهر عبد القادر محمد على : مناهج العلوم عند المسلمين قديما وحديثا – الناشر أورينتال – الاسكندرية -2005 -ص 64

(3)             المرجع السابق نفس الصفحة







الإبصار ، وماهو مطرد لا يتغير ، وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس . ثم نترقى

فى البحث والمقاييس على التدريج والترتيب ، مع انتقاد المقدمات ، والتحفظ فى

النتائج . ونجعل غرضنا فى جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ، ونتحرى فى سائر مانميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الأراء ، فلعلنا

ننتهى بهذا الطريق الى الحق ) (1)

وتؤكد الأبحاث الحديثة  أن العرب مارسوا المنهج العلمى التجريبى ، وأنهم رواد هذا المنهج الحقيقيون ، وكما طبق هذا المنهج فى العلوم الطبيعية ، طبق أيضا فى علم الفلك عند العلماء العرب ، هذا مع معرفتنا أن وسائل البحث تختلف من علم الى آخر ، فيكون بعضها أقرب الى التجربة وبعضها أقرب لإستخدام منهج الإستدلال الرياضى والعقلى ، وهكذا

.......................

علم الفلك

عرف علماء الفلك المسلمون هذا العلم بأنه علم النجوم أو التنجيم

قال الخوارزمى : علم النجوم، يسمى بالعربية: التنجيم، وباليونانية: إصطرنوميا. واصطر، هو النجم. ونوميا، هو العلم .

مفاتيح العلوم – للخوارزمى- موقع الوراق

وأحيانا يذكر بإسم أشهر أبحاثه بإسم علم الهيئة ، وعلم الهيئة كما عرفه الخوارزمى هو :  هو معرفة تركيب الأفلاك وهيئتها وهيئة الأرض .

وفي مقدِّمة ابن خَلدون (ت 808هـ/ 1406م) تعريفُ علم الهيئة على أنه: "علم ينظرُ في حركاتِ الكواكب الثابتة، والمتحرِّكةِ والمتحيِّزة، ويُستدلُّ بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاكِ لزِمَت عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية".

______________________ 

( 1) أ. د . على سامى النشار:  مناهج البحث عند مفكرى الإسلام – دار السلام للطباعة والنشر- القاهرة – الطبعة الأولى -1429 – 2008 - ص 283









ويقول أبو النصر الفارابي (257 هـ - 339 هـ) عرَّف علم الفلك بقوله: «وإن علم النجوم يشتمل على قسمين أحدهما علم دلالات الكواكب على المستقبل، والثاني العلم التعليمي. وهذا الثاني هو الذي يعد من العلوم... يبحث فيه عن الأجرام السماوية وعن الأرض من ثلاثة وجوه: الأول يبحث فيه عن عدد تلك الأجرام السماوية وأشكالها وترتيبها ومقاديرها وأبعادها عن الأرض، الوجه الثاني يبحث فيه عن حركات الأجرام السماوية، وكم هي، وهل هي كروية، أما الوجه الثالث فيبحث فيه عن الأرض والمعمورة والخراب، وتقسيم المعمور إلى أقاليم وما تسببه الكرة اليومية من المطالع والمغارب واختلاف طول النهار في الأقاليم

المنهج من خلال التعريف

فقول ابن خلدون أنه "علم ينظر فى حركات الكواكب" فهو يؤكد أن الملاحظة أو المشاهدة جزء أساسى منه ، وكما هو معلوم فإن المشاهدة والملاحظة أولى خطوات المنهج العلمى التجريبى ،

وقوله " ويُستدلُّ بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاكِ لزِمَت عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية "  يدل على استخدام المنهج الإستدلالى فى إطار المنهج التجريبى ، يقول الدكتور عبد الرحمن بدوى : ( المنهج الإستدلالى يدخل كجزء رئيسى عضوى فى داخل المنهج التجريبى ...) ص152

كما أن تعريف الفارابى المتضمن لكلمات مثل العدد ، والأشكال والترتيب ، والمقادير والأبعاد ، فلا يستغنى فى هذه الأمور عن الملاحظة ، وطرح الفروض والتأكد من صحتها بالتجارب كما فى عهد المأمون فى تكليفه لمجموعة من العلماء لقياس محيط الأرض ، أو التأكد من صحتها بالطريق الإستدلالى .

الملاحظة العلمية

يقول مؤلف التراث الفلكى عند العرب : (إن المنهج المناسب للدراسات الفلكية الكونية بشكل عام ، هو الملاحظة الحسية ، ولم تدخل التجربة العلمية فى هذه الدراسات إلا فى حدود ، كما فى قياس محيط الأرض مثلا ... فكان هذا العلم فى بدايات عصره الذهبى ، عصر المأمون أرصادا جمة ، وملاحظات وتتبعا مستمرا ومن ثم استنتاجات ونظريات ...) ( 1)

________________________

(1)             عبد الأمير المؤمن : التراث الفلكى عند العرب والمسلمين  مراجعة الدكتور سامى شلهوب – منشورات جامعة حلب -معهد التراث العلمي العربي،, 1992 ص 12









ويقول : كان الفلكيون الأولون رصادا من الدرجة الأولى ، وقد أكد هذا المعنى المستشرق الفرنسى " سيديو" بقوله : وظاهرة مدرسة بغداد فى بدء أمرها هى الروح العلمية التى كانت سائدة ، فكانت مبادئ أساتذتها تقوم على الانتقال من المعلوم الى المجهول ، وعلى ملاحظة الحوادث ، ملاحظة وثيقة لمجاوزة المعلولات الى العلل ) (1)

ويقول عبد الأمير عن المنهج العلمى عند العرب : فأخذ العلماء الواعون بالمنهج العلمى التجريبى سبيلا الى الوصول الى نتائج دقيقة ، واتخذ الفلكيون المنهج المناسب لموضوعاتهم وبحوثهم ، فاستخدموا الملاحظة الحسية منهجا علميا للبحث فى شئون الفلك ، فكانوا يستقرون مفردات موضوعاتهم ، ثم يستنتجون ويعممون والحكم على كل ما كان من جنسها . ( 2) ص12

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوى وهو فى صدد بيان نصيب العلوم من أركان المنهج التجريبى ، والتى حددها فى الملاحظة أو المشاهدة والفرض والتجريب

( وثانيا : هناك علوم تعتمد حقا على الملاحظة ولا تقوم بالتجريب ، ولكنها لا تقتصر على الوصف بل تنتهى الى وضع قوانين دقيقة ، قد تصل أحيانا الى الغاية من الدقة ، كما فى علم الفلك . فعلم الفلك يضع قوانين لمسار الكواكب أو لحدوث الظواهر الفلكية المختلفة ، من كسوف وخسوف وهالات ..الخ وكيفية موقع الأجرام بعضها من بعض وكيفية إنتقال الضوء ووقوع الأشياء بعضها من بعض . فهنا نجد الفلكى ينتهى الى قوانين بينما عالم النبات لا ينتهى الى شئ منها بل يكتفى بمجرد التعريف والتصنيف ، ولكنه مع عالم النبات فى أنه لا يقوم بالتجريب ، ولما كان العالم الفلكى يقوم بوضع قوانين ، فإنه من شأن القوانين أن تهئ الفرصة للتنبوء ، والتنبوء من شأنه أن يعطى الإنسان قدرة على الطبيعة سلبية سلبية فى حالة علم كعلم الفلك ولكنها إيجابية فى حالة علم كعلم الفيزياء ، وعلى كل حال فإننا فى علم الفلك نقوم بوضع قوانين وبالتنبوء وفقا لهذه القوانين  ) (3)

 ___________________ 

(1)             المصدر السابق نفس الصفحة

   ( 2)  المصدر السابق نفس الصفحة

(2)             عبد الرحمن بدوى : مناهج البحث العلمى – الناشر وكالة المطبوعات : الطبعة الثالثة الكويت :: 1977- ص132











تحقيق المنهج العلمى من خلال تحقيق الملاحظة العلمية 

ومن أجل تكريس هذه الملاحظة وتجويدها يجب أن يتوفر فيها التالى

1-    أن تكون دقيقة كل الدقة ، أو بتعبير أبن الهيثم ( أن يكون خصما لكل ما ينظر فيه ... ويخصمه من جميع جهاته ونواحية ، ويتهم نفسه أيضا عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه )

كسر صنم بطليموس

(كانت نظرية بطليموس ترى خطأ أن الأرض هي مركز الكون، وأن الأجرام السماوية تدور حول الأرض دورة كل 24 ساعة. ووضع بطليموس لهذه النظرية حساباً فلكياً لا تحتمل جداولاً، ولكن الأرصاد الفلكية التي قام بها العالم المسلم ابن الشاطر، برهنت على عدم صحة نظرية بطليموس، ويعلل ابن الشاطر ذلك بقوله: "إن الأجرام السماوية لا يسري عليها هذا النظام الذي وضعه بطليموس، فعلى سبيل المثال ذكر أنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها؟ وأشد من ذلك، إن هناك كواكب تختفي وتظهر سمّوها الكواكب المتحيزة، لذا الأرض والكواكب المتحيزة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض".

وهذا -بنصه- هو الاكتشاف الذي نسب إلى كوبرنيك بعد ابن الشاطر بعدة قرون، ثم جاء غاليليو الذي تشبع بفكرة ابن الشاطر، فابتكر أول تلسكوب، وأخذ يراقب حركة النجوم باستخدام هذا الجهاز، وأقام أكثر من دليل علمي على أن نظرية ابن الشاطر صائبة.) ( 1)

القيام بمشاهدات مختلفة متنوعة ، وقد تحقق هذا فى إمتحان ما تركه المتقدمون وإعادة تقييمه

2-    المشاهدة المسلحة حسب تعبير كلود برنار ، والمقصود بها الإستعانة بالأجهزة المختلفة   ولتحقيق هذا بنى العرب المراصد المختلفة وأول دار أنشئت للرصد كانت في مكان يسمى الشماسية في بغداد جعل منها المأمون

_________________________ 

(1)  أ.د . بركات محمد مراد  : مقال ابن الشاطر/ موقع المعلمة ليلى شرقاوى للعلوم والتكنولوجيا 







مجمعًا علمياً ووفّر لها المال والعمال والآلات، واختار لها فريقًا من العلماء المتخصصين في الفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية. وقد شكلت دراساتهم وأزياجهم التي عرفت بأزياج المأمون الأساس المتين الذي تطوّر عليه علم الفلك في شتى أرجاء العالم بعد ذلك. ومن بين أشهر من عمل في هذا المرصد سند بن علي، وخالد ابن عبدالله المروزي، وعلي بن عيسى، وعلي بن البحتري، وكانوا من بين الفريق الذي قاس محيط الأرض في عهد المأمون. كما أنشأ المأمون مرصدًا آخر أقيم على جبل قاسيون في دمشق. ثم أنشئت مراصد خاصة أخرى بعد ذلك منها: مرصد أبناء موسى بن شاكر في بغداد الذي أقاموه على طرف الجسر المتصل بباب الطاق، وفيه تمكّنوا من استخراج حساب العرض الأكبر من عروض القمر. كما أقام أبناء موسى بن شاكر أيضًا مرصدًا في سامراء كان بداخله آلة كروية الشكل تحمل صور النجوم في وسطها تُدار بالقوة المائية؛ كان كلما غاب نجم في قبة السماء ظهرت صورته في الخط الأفقي للآلة الكروية.

بنى شرف الدولة البويهي أيضًا مرصدًا في بستان دار المملكة ويسمى المرصد الشرفي.

3-    أن تكون الملاحظة نزيهة فالبتانى( 317هجريا ) مثلا وهو من علماء الفلك المسلمين لم يمنعه أعترافه بالفضل والعلم لبطليموس أن يتعرض لنقده والإستدراك عليه ، يقول البتانى ( أنه يجوز أن يستدرك عليه فى أرصاده على طول الزمان كما أستدرك هو على برخس وغيره )  ( 1) /

يقول  الاستاذ الدكتور عباس سليمان فى دراسته وتحقيقه لكتاب ظاهرات الفلك لإقليدس بتحرير نصير الدين الطوسى ، وهو بصدد بيان النظرة النقدية التى تمتع بها العلماء المسلمين ومنهم الطوسى

( عدم الوقوع فى أسر النص أو الإقتصار على ما أورده المؤلف اكتفاء بعلو مكانته والخضوع له بل كان يثق بنفسه ، ويكمل مالم يلتفت اليه المؤلف الأصلى

______________________ 

(1 ) أبو عبد اللّٰه محمد بن جابر بن سنان البَتّاني:  مقدمة  كتاب الزيج للبتانى  / موقع الوراق ص 1













أو الزيادة عليه من قريحته الخاصة ) (1)

ويقول فى رقم 7 ( إستيفاء المقدمات والبراهين التى لم ترد على خلد المؤلف الأصلى ، أو لم يتمكن من إستيفائها فى حينه ) (2)

ومن خلال هذا يتضح لنا أن العلماء المسلمين تمتعوا بالملاحظة النزيهة التى  لا تفرضها أشياء خارج المنهج العلمى ،فلم تمنعهم هيبة علماء اليونان والتأثر بهم من تقرير الحق ، ونقدهم النقد العلمى النابع من صميم المنهج العلمى والبراهين التى تحت أيديهم  

تعميق الملاحظة العلمية

أولا: المراصد

عرفنا أن من شروط الملاحظة العلمية الإستعانة بالألآت العلمية لتحقيق ملاحظة علمية دقيقة ، وهذا ما فعله العرب من خلال بحوثهم فى علم الهيئة، لقد أفاد العلماء المسلمون من تراث اليونان والهنود, وأضافوا إلى ذلك معلومات كثيرة من خلال القياسات الدقيقة والتصحيحات، وكانت المراصد موقع العمل العلمي، وهذه الجهود تتجاوز مجرد تسجيل المعلومات إلى التوصل إلى قوانين منتظمة،

(وصف ابن سينا (المتوفى 428هـ/1037م) الآلات المستخدمة في المراصد، وكان تصميم الآلات الرصدية وتطويرها مهمة علمية متخصصة، وعلى سبيل المثال كان مؤيد الدين العرضي (المتوفى 664هـ/1266م) مسئولاً عن تصميم الآلات في مرصد مراغة، وللعرضي رسالة في كيفية الأرصاد وما يحتاج إلى علمه وعمله من الطرق المؤدية إلى معرفة عودة الكواكب، وهذه الرسالة وصلت إلينا في عدة مخطوطات، تناول العُرضي فيها أدوات المرصد الفلكي في مراغة, وهذه الرسالة مصدر مهم لدراسة الآلات الفلكية في الحضارة الإسلامية حتى القرن الرابع الهجري, وكانت صناعة الآلات الفلكية -وفي مقدمتها الإسطرلاب - معروفة في غرب العالم الإسلامي, وقد وصلت إلينا عدة صور متقنة لإسطرلابات في مخطوطات عربية من أقطار متعددة, بعضها من لأندلس.__________________ 

( 1) أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي    ظاهرات الفلك : دراسة وتحقيق الدكتور عباس سليمان - دار النهضة العربية للطباعة والنشر- ص15

(2)  نفس المصدر ص16









ويتضح أن عناية المشرق الإسلامي بالمراصد كانت كبيرة, كان مرصد أصفهان أول مرصد في وسط آسيا وفي عهد ملكشاه (564/1072-485/1092) وكان عمر الخيام الذي يعرفه العرب برباعياته ويذكره تاريخ العلم ببحوثه الفلكية أحد علمائه، وكان العمل في المرصد طبقاً لخطة محددة, على أساس علمي، لاحظ العلماء أن دورة كوكب زحل تستغرق ثلاثين عاماً, وأنه الأكثر بعداً عن الأرض, فوضعت خطة الأرصاد لمدة ثلاثين عاماً، وبدأ العمل بقوة.





أما مرصد مراغة فهو المرصد الذي أداره عالم كبير، هو نصير الدين الطوسي (597/1201-672/1274) إلى جانب عدد كبير من علماء الفلك ومصممي الآلات الفلكية، كان تمويل إنشاء هذا المرصد سنة 657/1259 من أموال الأوقاف، استمر بناء المرصد أربع سنوات، وكان يتكون من منظومة أبنية على مساحة ستة آلاف متر، ضم المرصد مكتبة علمية متخصصة, احتوت نحو أربعين ألف كتاب, ومسبكة لصنع آلات القياس النحاسية.





حشد العرضي - وهو المكلف بالآلات - أفضل ما عرفه العصر من آلات القياس الفلكية, وطوّرها وابتكر آلات جديدة، كانت خطة العمل المبدئية للأرصاد لثلاثين عاماً, ولكنها اختصرت إلى اثني عشر عاماً هي دورة المشتري, وأهم إنجاز لهذا المرصد هو الزيج الإلخاني, وظل المرصد يعمل نحو خمسين عاماً.





وارتبط تاريخه بعلماء: منهم محيي الدين المغربي, وقطب الدين شيرازي، وكان العلماء الفلكيون الذين عملوا في هذا المرصد كثيرين, وكانت هناك رغبة في جعل هذا المرصد مركزاً عالمياً, فالتقى فيه علماء من الأندلس ومصر وآسيا الصغرى, كماكان به - أيضاً - علماء من الصين يقدمون معارفهم في الطرق الصينية لحساب الأعياد، ومن أشهر هؤلاء العلماء ابن أبي شكر المغربي الأندلسي (المتوفى بعد 680هـ/1281م)كان قد عاش في مصر, ثم عمل مع نصير الدين الطوسي في المرصد، ذكر له بروكلمان في تاريخ الأدب العربي نحو عشرين عنواناً, منها: رسالة عن تقويم أهل الصين.



مرصد سمرقند هو مرصد (ألغ بك) بدأ تأسيسه سنة (826هـ/1420م-832هـ/1428م) بتمويل من ذلك الحاكم العظيم في وسط آسيا الذي حكم سمرقند (1409-1449م), وهو من أهم حكام الأسرة التيمورية.

كان إنشاء المرصد في إطار منظومة مؤسسات عامة, منها خانقاه ومدرسة وقصر وقاعة العرش ومسجد كبير جدرانه وسقفه من الخشب المقطع, وكلها كانت نماذج رائعة من فن العمارة الإسلامية في آسيا الوسطى.

أما المرصد فكان خطة وضعها نخبة من العلماء, منهم: غياث الدين جمشيد ومعين الدين القاشاني، وقام بقيادة العمل فيه عالم الفلك علي قوشجي, وبإشرافه وضعت الجداول الفلكية (الزيج) سنة 841هـ/1437م، وتضم هذه الجداول أربعة أقسام: قياسات لمختلف العصور والمناطق, ثم المواقيت, ثم مسالك النجوم, ثم موقع الأجرام الثابتة، وتعد هذه الجداول أفضل ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في علم الهيئة, في إطار رؤية علمية عالمية لألغ بك الذي كان يؤثر العلوم ذات الأهمية العالمية على الدراسات القومية.) (1)

ثانيا :تطوير المبانى والآلات لضمان دقة الملاحظة

(أن المبنى لابد أن يكون مناسباً، ( مثال )المرصد ذو المبنى السداسي الذي صممه الخجندي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي في مدينة الري كان بمواصفات خاصة (5ر3 x 10 x 20 متراً), ودخول الشمس من فتحة محددة، وبالداخل تتضح القياسات على صفائح من النحاس، وقد ذكر ابن سينا عدة آلات في كتابه (في الآلات الرصدية) وفيه وصف لآلة قياس بها مسطرة ذات مفصل عمودي تسجل

________________________________   

( 1) محمود فهمى حجازى : المراصد الفلكية فى الحضارة الإسلامية / / موقع الألوكة

















الدورات حول المركز، وهناك آلة بجهاز لتصويب النظر مع إمكان قراءة الدقائق والثواني.) (1)

(آلات الرصد. لم يكن العلماء العرب والمسلمون ليبلغوا ما بلغوه من دقة لولا استخدامهم أفضل الآلات المتوافرة آنذاك. بعض هذه الآلات اقتبسوه من غيرهم وطوّروه، وبعض آخر كان من اختراعهم. ومن العلماء من صنّف كتبًا في الآلات التي اخترعها بنفسه مثل تقي الدين الراصد، أو كتب عن آلات الرصد من بين الآلات التي كتب عنها، وذلك كغياث الدين الكاشي في أحد مؤلفاته بالفارسية، أو الخازن في كتاب الآلات العجيبة. وأشهر الآلات الفلكية التي استخدموها في مراصدهم هي:

اللبنة. وهي من صنع تقي الدين الراصد، وهي جسم مربع مستوٍ، تستخدم لقياس الميل الكلّي وأبعاد الكواكب وعرض البلدان.



الحلقة الاعتدالية. صنعها تقي الدين الراصد؛ وهي حلقة في وسطها محور تقاس بها أقواس على دائرة المعدّل، ويعلم بها التحويل الاعتدالي.

ذات الأوتار. صنعها تقي الدين الراصد؛ وهي أربع أسطوانات مربعات تغني عن الحلقة الاعتدالية، إلا أنها تستخدم ليعلم بها تحويل الليل أيضًا.

ذات الحلق أول آلة رصد صنعت في الإسلام، وقد صنعها ابن خلف المروزي. ...، وهي أعظم الآلات هيئة ومدلولاً، ويقال إنها أول آلة رصد صنعت في الإسلام. وهي خمس دوائر نحاسية تمثل الأولى دائرة نصف النهار؛ وهي مثبتة في الأرض، والثانية الدائرة الشمسية ويعرف بها سمت الكواكب، والثالثة دائرة منطقة البروج، والرابعة دائرة العروض، والخامسة دائرة الميل.

ذات الشعبتين. وهي ثلاث مساطر منتظمة على كرسي يعلم بها الارتفاع.

______________ 

( 1 ) المصدر السابق















ذات السمت والارتفاع. من اختراع المسلمين، وهي آلة لقياس زاويتي السمت والارتفاع.



ذات الجيب. آلة تتألف من مسطرتيْن منتظمتين انتظام ذات الشعبتين.



المشبّهة بالناطق. من اختراع تقي الدين الراصد، وهي آلة كثيرة الفوائد في معرفة بُعد ما بين الكوكبين، وتتألف من ثلاث مساطر: اثنتان منتظمتان انتظام ذات الشعبتين.



طبق المناطق. صنعها غياث الدين الكاشي لمرصد سمرقند، وتستخدم للحصول على تقاويم الكواكب وعرضها وبُعدها مع الخسوف والكسوف وخلافهما.



الأرميلاد. آلة لتحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة.



المعضادة. آلة لقياس الزوايا. صندوق اليواقيت.



صنعها ابن الشاطر يمكن بوساطتها معرفة الاتجاهات عامة واتجاه القبلة خاصة، وكذلك الوقت والمطالع الفلكية.



الربع ذو الثقب. صنعها ابن يونس الصفدي المصري.



الربع المُجَيَّب. آلة تتألف من ربع دائرة يطلق عليها الربع المقطوع والربع المقنطر، وتصنع من الخشب الجيد أو البرونز أو الذهب والفضة، وتستخدم إلى جانب معرفة البروج في حساب المثلثات ومعرفة الأعماق وخلافها.



المزولة الشمسية. من أهم الآلات التي طورها المسلمون، ويقاس بها الوقت خلال ساعات النهار مبنياً على ظل الشمس. طوّر الفلكيون هذه الآلة التي لم تكن تضبط الوقت إلا عند السادسة مساءً وصباحًا فقط، أما بقية ساعات النهار فكانت خاطئة، وباستخدام معادلات حساب المثلثات الكروية توصلوا إلى المعادلة التالية:



زاوية خيال الشاخص = ظا (زاوية الساعة) × حا (عرض المكان).



وطوروا نوعيْن من هذه المزاول: المزاول الثابتة كالمزولة الأفقية، والمزولة الرأسية، والمزولة الاستوائية، والمزولة الكروية. والمزاول المتنقلة؛ وهي على أنواع منها ما يحمل باليد، ومنها ما يحمل في الجيب، ومنها ما يعمل بحساب الظل، ومنها ما يعمل بحساب ميل الشمس. وقد ألّف أبوالحسن علي المراكشي كتابًا تناول فيه أنواع المزاول ومنافعها.



بالإضافة إلى الآلات السابق ذكرها استخدم علماء الفلك العرب والمسلمون آلات رصد أخرى مثل الربع المسطري؛ ذات النقبتين؛ البنكام الرصدي؛ الربع التام وهو من اختراع ابن الشاطر والزرقالة، تنسب إلى الزرقالي الفلكي الأندلسي؛ الشكازي؛ الأفاقي؛ ذات الكرسي؛ عصا الطوسي، وهي الآلة التي اخترعها المظفّر بن المظفّر الطوسي (ت 610هـ، 1214م)، وتشبه مسطرة الحساب، ودائرة المعدل، واخترعها الفلكي المصري عز الدين الوفائي؛ وذات السدس، وهي مقياس مدرج على هيئة قوس طوله سدس محيط الدائرة، وذات الثمن.



الكرات الأرضية والسماوية. مثل كرة الصوفي، وكرة الإدريسي التي صنعها لروجر ملك صقلية، وكرة علم الدين قيصر (ت 564هـ، 1168م) وصنعها من الخشب ورسم فيها جميع الكواكب المرصودة، وكرات رضوان الفلكي المصنوعة من النحاس الأصفر، ونقش عليها الكواكب المرصودة وصورها، ورسم عليها دوائر العرض والميول وأسماءها بالعربية وطلاها بالذهب.) (1)

(1)             موقع  الموسوعة العربية العالمية – مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع – الطبعة الثانية  1419 ه النسخة الالكترونية  















الفرض

التجأ علماء الفلك العرب الى وضع الفروض كلما أحتاجو لذلك ، وأطلقوا على الفرض اسم " التعليل "  ، ومن الأمثلة رأى البيرونى فى نسبية الفرضيات الفلكية وانها غير نهائية ، فى مقدمتين من كتابه " مفتاح علم الهيئة " و " تحقيق ما للهند من مقولة " حيث بين إمكانية تعليل الحركة اليومية بفرضية دوران السماء ، وسكون الأرض ، وبفرضية سكون السماء ودوران الأرض على محورها ، فيقول " وإن دوران الأرض لا يدخل أقل خلل فى الحساب الفلكى فكل الظواهر الفلكية يمكن تعليلها بكلتا النظريتين " 

التجربة

يقول البيرونى  ( ...والى التجربة يلتجأ فى مثل هذه الأشياء ، وعلى الامتحان فيها يعول ) ( 2)

 من أشهر إنجازات عهد المأمون في الفلك قياس محيط الأرض فقد أرسل المأمون بعثة علمية إلى برية جبل سنجار غربي مدينة الموصل بالعراق فقامت هذه البعثة بقياس ميل نجم القطب الشمالي عن الأفق من موقع معين فوجدوه يميل 35 درجة ، فضربوا وتدا في ذلك الموقع . ثم تحركوا شمالا من موقع الوتد بعد أن ربطوا حبلا فيه .وظلوا يمشون شمالا ويربطون حبالا إلى أن أصبحت زاوية ميل نجم القطب تزيد درجة واحدة عن الموقع الأول أي أصبحت 36 درجة ، ثم كرروا القياس إلى جهة الجنوب من الموقع الأول ولفترة درجة واحدة أيضا ....



ثم قاسوا طول الحبال التي تعدل درجة واحدة من درجات محيط الأرض فكان متوسط طول الحبال هو 56.6 ميل عربي... وبذلك وجدوا أن محيط الأرض (360درجة) يكون حوالي 20400 ميل عربي ولما كان الميل العربي يساوي 1973.2 مترا ، لذلك فإن محيط الأرض وفق هذا الحساب يكون 40252.8 كيلو متر.

_______________

     ( 1) د.جلال محمد عبد الحميد موسى : منهج البحث العلمى عند العرب فى العلوم الطبيعية- بيروت - دار الكتاب اللبنانى -  1988ص 262

(3)  المصدر السابق ص 258











وهذا التقدير أقرب إلى الصحة من قياسات اليونان

قال المستشرق نللينو في كتابه (علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى):إن قياس العرب للكُرة الأرضيَّة هو أوَّل قياس حقيقي، أُجْرِيَ كله مباشرة مع كل ما تقتضيه تلك المسافة الطويلة وهذا الفريق الكبير من العلماء والمساحين العرب؛ فهو يُعَدُّ من أعمال العرب المأثورة وأمجادهم العلمية.

وقال عنه الأستاذ كراتشوكوفسكي في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي العربي):( إن الخطأ في مقاس العرب يقلُّ عن كيلو متر واحد).؟

وقد أورد بن خلكان هذه التجربة العملية لقياس محيط الأرض ، فى ترجمة محمد بن موسى بن شاكر وإخوته فقال :

(ومما اختصوا به في ملة  الإسلام وأخرجوه من القوة إلى الفعل

وهو أن المأمون كان مغرى بعلوم الأوائل وتحقيقها، ورأى فيه أن دور كرة الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، كل ثلاثة أميال فرسخ، فيكون المجموع ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضع طرف حبل على أي نقطة كانت من الأرض، وأدرنا الحبل على كرة الأرض حتى انتهينا بالطرف الآخر إلى ذلك الموضع من الأرض، والتقى طرفا الحبل، فإذا مسحنا ذلك الحبل كان طوله أربعة وعشرين ألف ميل.

فأراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، فسأل بني موسى المذكورين عنه فقالوا: نعم، هذا قطعي. فقال: أريد منكم أن تعملوا الطريق الذي ذكره المتقدمون حتى نبصر هل يتحرر ذلك أم لا، فسألوا عن الأراضي المتساوية في أي البلاد هي فقيل لهم: صحراء سنجار في غاية الاستواء وكذلك وطأة الكوفة، فأخذوا معهم جماعة ممن يثق المأمون إلى أقوالهم، ويركن إلى معرفتهم بهذه الصناعة، وخرجوا إلى سنجار، وجاءوا إلى الصحراء المذكورة، فوقفوا في موضع منها وأخذوا ارتفاع القطب الشمالي ببعض الآلات، وضربوا في ذلك الموضع وتداً وربطوا فيه حبلاً طويلاً، ثم مشوا إلى جهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى اليمين واليسار حسب الإمكان. فلما فرغ الحبل نصبوا في الأرض وتداً آخر وربطوا فيه حبلاً طويلاً، ومشوا إلى جهة الشمال أيضاً كفعلهم الأول؛ ولم يزل ذلك دأبهم، حتى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة، فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبل، فبلغ ستة وستين ميلاً وثلثي ميل، فعلموا أن كل درجة من درج الفلك، يقابلها من سطح الأرض ستة وستون ميلاً وثلثان. ثم عادوا إلى الموضع الذي ضربوا فيه الوتد الأول وشدوا فيه حبلاً وتوجهوا إلى جهة الجنوب، ومشوا على الاستقامة، وعملوا عاماً عملوا في جهة الشمال: من نصب الأوتاد وشد الحبال، حتى فرغت الحبال التي استعملوها في جهة الشمال، ثم أخذوا الارتفاع فوجدوا القطب الشمالي قد نقص عن ارتفاعه الأول درجة، فصح حسابهم وحققوا ما قصدوه من ذلك، وهذا إذا وقف عليه من له يد في علم الهيئة ظهر له حقيقته  ومن المعلوم أن عدد درج الفلك ثلثمائة وستون درجة، لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجاً، وكل برج ثلاثون درجة، فتكون الجملة ثلثمائة وستين درجة، فضربوا عدد درج الفلك في ست وستين ميلاً وثلثين - أي التي هي حصة كل درجة - فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وهذا محقق لا شك فيه.

فلما عاد بنو موسى إلى المأمون وأخبروه بما صنعوا، وكان موفقاً لما رآه في الكتب القديمة من استخراج الأوائل، طلب تحقيق ذلك في موضع آخر، فسيرهم إلى أرض الكوفة وفعلوا كما فعلوا في سنجار، فتوافق الحسابان، فعلم المأمون صحة ما حرره القدماء في ذلك، وهذا الفصل هو الذي أشرت إليه في ترجمة أبي بكر محمد بن يحيى الصولي وقلت: لولا التطويل لبينت ذلك (1) 5/136

تجربة البيرونى

أبو الريحان محمد بن أحمد بيروني (م= 5 سبتمبر 973 (362ه)/ و= 13 ديسمبر 1048م(440ه) لجأ البيرونى الى طريقة أبتكرها لقياس محيط الأرض ، يقول عن ذلك

(وفي معرفة ذلك طريق قائم في الوهم صحيح بالبرهان, والوصول إلى عمله صعب لصغر الإسطرلاب وقلة مقدار الشئ الذي يبنى عليه فيه, وهو أن تصعد جبلاً مشرفاُ على بحر أو برية ملساء, وترصد غروب الشمس, فتجد ماذكرناه فيه من الانحطاط, ثم تعرف مقدار عمود ذلك الجبل وتضربه في الجيب المستوي لتمام الانحطاط الموجود, وتقسم المجتمع على الجيب المنكوس لذلك

__________________ 

(1)             أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان :وفيات الأعيان ص5/136 – المكتبة الشاملة الالكترونية





















الانحطاط نفسه,ثم تضرب ماخرج من القسمة في اثنين وعشرين, وتقسم المبلغ على سبعة, فيخرج مقدار إحاطة الأرض بالمقدار الذي به قدرت عمود الجبل.”") (1)

يقول الدكتورعبد الرحيم بدر بعد أن ذكر جهود العلماء فى عصر المأمون لقياس محيط الأرض

(كانت هذه الخطوة الجبارة بداية انطلاق للفلكيين اللاحقين، عرفوا منها أو من الروح الدافعة إليها أن الأساس الذي تقوم عليه دراسة الفلك هو الرصد والقياس. وإذا استثنينا أبارخوس وبطليموس فلا نجد في تاريخ الفلك السابق من كان يعتمد في رصده على القياس.‏

وقد حاول البيروني أن يعرف محيط الأرض بطريقة أخرى. وذلك بأن يقيس زاوية غروب الشمس وهو على رأس جبل عال، ثم يقدر ارتفاع ذلك الجبل، ويستعمل في ذلك حساب المثلثات. يذكر نلينو أن الأستاذ ويدمن اللماني أرسل إليه صورة فوتوغرافية عن النسخة الوحيدة المعروفة لكتاب الأسطرلاب للبيروني المحفوظة في مكتبة برلين جاء فيها "وفي معرفة ذلك طريق قائم في الوهم صحيح بالبرهان والوصول إلى عمله صعب لصغر الأسطرلاب وقلة مقدار الشيء الذي يبنى عليه فيه، وهو أن تصعد جبلاً مشرفاً على بحر أو بريّة ملساء وترصد غروب الشمس فتجد فيه ما ذكرناه من الانحطاط ثم تعرف مقدار عمود ذلك الجبل وتضربه في الجيب المستوي لتمام الانحطاط الموجود وتقسم المجتمع على الجيب المنكوس لذلك الانحطاط نفسه ثم تضرب ما خرج من القسمة في اثنين وعشرين أبداً وتقسم المبلغ على سبعة، فيخرج مقدار إحاطة الأرض بالمقدار الذي قدّرت به عمود الجبل، ولم يقع لنا بهذا الانحطاط وكميته في المواضع العالية تجربة. وجرأنا على ذكر هذا الطريق ما حكاه أبو العباس النيريزي عن أرسطولس أن أطوال أعمدة الجبال خمسة أميال ونصف بالمقدار الذي به نصف قطر الأرض ثلاثة آلاف ومائتا ميل بالتقريب، فإن الحساب يقضي لهذه المقدمة أن يوجد الانحطاط في الجبل الذي عموده هذا القدر ثلاث درجات بالتقريب. وإلى التجربة يلتجأ في مثل هذه الأشياء وعلى الامتحان فيها

________________

(1)             دكتور عبد الرحيم بدر :مقال العرب والنجوم ودوران الأرض/ موقع الذاكرة /

















يعوّل وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم"‏



انتهى كلام البيروني والجيب المنكوس هو ما نسميه الآن جيب التمام و22 على 7 هي النسبة التقريبية. ونرى من كلامه هذا أنه لم يكن قد قام بعد بقياس محيط الأرض. ولكن الأستاذ حسن منزل يذكر أن البيروني قد قام بهذا القياس عندما كان رهن الاعتقال في قلعة ناندا في البنجاب الغربية، فقد قاس محيط الأرض، وأن البيروني يذكر طريقه مماثلة في كتابه "التحديد". ويذكر أن البيروني أيضاً قاس مساحة سطح الأرض، وحجمها ووزنها بالذهب.‏) (1)

قياسات أخرى

(والواقع أن الفلكيين العرب لم يتركوا قياساً فلكياً يمكن أن يمر بالبال في تلك الأيام، وبمقدار مفهومهم عن الفلك إلا وطرقوه. فأعادوا قياسات أبارخوس وبطليموس، وعدّلوها بحسب ما دلت عليه آلات رصدهم التي أصبحت في الحقيقة أدق من تلك التي استعملها هذان العالمان. وقاموا بقياسات جديدة أيضاً. وكانت قياساتهم هذه موضع تعديل مستمر، بحيث نجيز لأنفسنا أن نقول أن أدق ما وصلوا إليه هو ما حققه البيروني.‏ فقاسوا مقدار ميل دائرة البروج عن خط الاستواء الفلكي وعرفوا تقدم الاعتدالين، وعينوا خطوط الطول والعرض. وعلى خلاف ما ذكر بطليموس قالوا إنّ الشمس تبتعد وتقترب من الأرض، وكذلك القمر. إذن فقد عرفوا وحدهم أن سير هذه الأجرام الظاهري حول الأرض ليس في دوائر وإنما في أشكال اهليجية، فهي تقترب أحياناً فتصبح في الحضيض وتبتعد أحياناً فتصبح في الأوج.‏

وهذه هي الفكرة التي اعتمد عليها الإمام أبو الحسن كوشيار بن لبان الجيلي في رسالته "في الأبعاد والأجرام" التي وجهها إلى البيروني (طبع دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد- الدكن) ففيها يعتمد على حجم القمر عندما يكون في الأوج وعلى حجمه عندما يكون في الحضيض، والفرق في الظل في أثناء الخسوف في الحالتين، وفي تقدير أبعاد الكواكب السيارة، يعتمد على حجمها الظاهري في الأوج وفي الحضيض. ومن الغريب أنه بهذه الطريقة عرف أن الأرض أكبر

___________________

( 1) المصدر السابق









من عطارد ومن الزهرة وأصغر من المشتري وزحل، وأخطأ في نسبة حجمها إلى حجم المريخ ، فقال أنه أكبر منها.‏



وفي ذروة الدقة في الرصد في العصور نصل إلى عبد الرحمن الصوفي الذي وضع كتاب "صور الكواكب الثمانية والأربعين" (والكواكب هنا، جمع كوكبة والمقصود بها المجموعة النجومية، إذ يبدو ان العرب لم يكونوا يعلمون الفرق الجذري بين النجوم والكواكب). فقد كان كتابه الأطلس الدقيق الذي صحح ما وصفه بطليموس وأبارخوس وعدّل عليه، بحيث ظل المرجع الأساسي للراصدين حتى القرن السابع عشر الميلادي حين ظهر المرقب.‏) ( 1 )  

 الخازنى  : وميزان الحكمة                             

الخازنى :أبو منصور أبو الفتح عبد الرحمن الخازنى توفى فى 550 هجريا 1155 ميلاديا عاش الخازنى فى مدينة مرو ، أشهر مدن خراسان ، نبغ فى علم الفيزياء والفلك والرياضيات ، وينسب للخازنى عدد كبير من المؤلفات منها ، زيج السنجار ، رسالة فى الآلات ، جامع التواريخ ، كتاب فى الآلات المخروطية ، كتاب ميزان الحكمة ، وكعادة علماء الطبيعة المسلمين  ، فإن الخازنى له إهتمامات بعلوم شتى ، أما كتابه فى الفلك ( زيج السنجارى ) فيحوى عرض تاريخى لمجهودات من سبقوه فى علم الفلك ، وما توصل اليه هو من نظريات فلكية ، ثالثهما : الاهتمام بتصنيع الآلات التى تعين على الرصد ، والبحث العلمى ، كما يحوى دراسات حول مواقع النجوم لعام 530هجرى 1135-1136ميلادى ، وعلى خط العرض لمدينة مرو ، لكن هذا الكتاب غير منشور وقد جمع المعلومات عنه د. منتصر محمود مجاهد فى إطار دراسته عن "ميزان الحكمة " للخازنى ومنهج البحث العلمى عنده ، ويشير الكتور منتصر محمود مجاهد فى كتابه أن قطب الدين الشيرازى فى مخطوطة له بعنوان نهاية الإدراك أن الخازنى قاس فى أصفهان ميل فلك البروج (2) ،

___________________________________

( 1) المصدر السابق

(2)  د. منتصر محمود مجاهد – ميزان الحكمة ومنهج البحث العلمى عند الخازنى – الهيئة المصرية العامة للكتاب  - الطبعة الأولى -2005









ويعنينا هنا أن نثمن كلمات الخازنى فى كتاب ميزان الحكمة ، لما لها من أهمية فى توضيح منهج علماء الفلك المسلمين  . يقول الخازنى ( فنقول لكل صناعة مبادئ تبتنى عليها ، ومصادرات تستند اليها من جهلها خرج عن طبقة من يخاطب فيها ، وتفنن تلك المبادئ والمصادرات الى ثلاثة فنون

الأول : أن تكون حاصلة من أول الولادة والنشوء عن إحساس واحد أو احساسات كثيرة ، لم يتعمد لها وهى التى تسمى الأوائل والعلوم العامية المتعارفة .

والثانى أن تكون مبرهنة فى علوم أخر

والثالث : أن تكون مستفادة عن التجربة والمزاولة ) أبو الفتح عبد الرحمن الخازنى - ميزان الحكمة – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2005  

( هذه المبادئ الثلاث تشير الى أساسيات المنهج التجريبى ، وهى تقوم على المشاهدات والتى لا تتوقف على شخص بعينه أو المشاهد فقط مع استخدام جميع الحواس أو حاسة واحدة ، وهذه هى الملاحظة

وثانيهما : المبرهنة فى العلوم الأخرى ، وهذا يعنى التكاتف العلمى بين العلوم ، وفى هذا تنوع للفروض

وثالثهما : أن يكون حاصل النتيجة بناء على تجربة وممارسة فعلية لها ، وهذا ما يسمى بالتجربة العلمية التى توصل الى القانون العلمى أو النظرية ..) ( 1 )

ثم يطبق الخازنى منهجه العلمى فى ثنايا كتابه مستعينا بأدق الآلات فى عصره ، كما يشار للخازنى بعتباره مؤسس علم الهيدروستاتيكا ( علم دراسة الاتزان الاستاتيكى للسوائل ) كما يقال أنه أول الكتب استيفاء لبحوث الميكانيكا ، ولقد أعترف بلتن فى أكاديمية العلوم الأمريكية بما لهذا الكتاب من عظم الشأن فى تاريخ الطبيعة وتقدم الفكر عند العرب ) ( 2)    

ولا يخفى أن منهج الخازنى البحثى لم يكن ليختلف بين عمله فى الطبيعة وعمله فى مجال الفلك ، ولهذا جاء الثناء على زيج السنجارى بعتباره من أدق ماتم تحصيله فى هذا الباب فى وقته  __________________________

(1)   د. منتصر محمود مجاهد – ميزان الحكمة ومنهج البحث العلمى عند الخازنى ص 154

 ( 2)    المصدر السابق ص 33









النتائج

يقول الدكتور جلال موسى فى نتائج كتابه " منهج البحث العلمى عند العرب " ( وفى مجال العلوم الكونية أتضح أن دلالتى الإلتزام والقياس يلتقيان فى ظل منهج الإستقراء الذى أستخدمه العلماء العرب فى مباحث علم نظام الكون فأمكنهم بذلك الإستدلال على القوانين المسيطرة على العالم ، وللتحقق من صحة قياساتهم وأرصادهم ، أجرو تجاربهم فلم يقفوا لذلك على حد النظريات ، كما فعل اليونان ، ورغم أن العرب أفادوا من اليونان فى طرق البحث المستقصى فى هذا العلم ، إلا أنهم تجاوزا أساليبهم لتصبح لهم وسائلهم الخاصة فى البحث )

ويعرف الدكتور جلال موسى الالتزام فيقول : (هو أن يطرد ترابط بين شيئين ، بحيث إذا تأملت فى أحدهما تصورت الآخر إلا أنها لاتكسب اليقين إذ الأمر فيها منوط بدرجة الارتباط أو التلازم ....)

ويتضح لنا من كل ماسبق أن المنهج الذى سار عليه علماء الفلك العرب هو المنهج الاستقرائى التجريبى العلمى مع ما يدخل فى ثناياه من استخدام منهج  الإستدلال ، وكما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوى : إن الفصل بين المناهج غير ممكن فى البحث العلمى ، ولكننا نقوم بهذا التقسيم من أجل دراستها فحسب ...فهى كلها فى الواقع خطوات فى منهج واحد عام ، قد نسير بها كلها بالنسبة

_______________________

( 1) الدكتور جلال محمدعبد الحميد موسى : منهج البحث العلمى عند العرب فى مجال العلوم الطبيعية – دار الكتاب اللبنانى بيروت - ص 277





















الى مسألة واحدة فى علم واحد ) ( 1)

وهذا فى الواقع ماحدث مع علماء الفلك العرب ، لقد كان منهجهم الرئيس هو المنهج الاستقرائى التجريبى العلمى ، ولكن لم تخلو أبحاثهم من دمج لبعض المناهج الآخرى فى موضعها حيث يقتضى البحث ذلك ، ونظرا لأن التجربة العملية فى مجال علم الفلك قليلة بطبيعتها ، فإن التجارب التى قام بها العرب قليلة ، ولكن تركيزهم كان على الملاحظة والمشاهدة والإستقراء ثم وضع الفروض إذا تطلب الأمر ذلك ، ثم تسجيل البيانات ، وتدوين النتائج ، وفق الحسابات والقياسات المختلفة

...............

انور علوانى

ضاحية الاسكندرية فى 15/12/ 2014



























_________________

( 1 ) عبد الرحمن بدوى : مناهج البحث العلمى  ص16









المصادر

زغريد هونكه :شمس الله تسطع على الغرب –– ترجمة فاروق بيضون – دار الجيل  الطبعة الثامنة - بيروت 1413 هـ - 1993 م

الدكتور ماهر عبد القادر محمد على :مناهج العلوم عند المسلمين قديما وحديثا –– الناشر أورينتال – الاسكندرية 2005

محمد بن احمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي : مفاتيح العلوم – للخوارزمى- موقع الوراق

عبد الرحمن بن خلدون : مقدِّمة ابن خَلدون –– دار ابن الجوزى – الطبعة الأولى – القاهرة  2010

عبد الأمير المؤمن : التر اث الفلكى عند العرب والمسلمين وأثره فى علم الفلك الحديث .. / مراجعة الدكتور سامى شلهوب ، منشورات جامعة حلب – معهد التراث العلمى العربى – 1413ه - 1992

عبد الرحمن بدوى : مناهج البحث العلمى – الناشر وكالة المطبوعات : الطبعة الثالثة الكويت :: 1977

أ.د . بركات محمد مراد  : مقال ابن الشاطر/ موقع المعلمة ليلى شرقاوى للعلوم

 أبو عبد اللّٰه محمد بن جابر بن سنان البَتّاني:  كتاب الزيج للبتانى  / موقع الوراق

أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي    ظاهرات الفلك لأقليدس : دراسة وتحقيق الدكتور عباس سليمان - دار النهضة العربية للطباعة والنشر

محمود فهمى حجازى : مقال المراصد الفلكية فى الحضارة الإسلامية / / موقع الألوكة

موقع  الموسوعة العربية العالمية

أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان : وفيات الأعيان– المكتبة الشاملة الالكترونية

دكتور عبد الرحيم بدر :مقال:  العرب والنجوم ودوران الأرض/ موقع الذاكرة /

-  الدكتور جلال محمدعبد الحميد موسى : منهج البحث العلمى عند العرب فى مجال العلوم الطبيعية – دار الكتاب اللبنانى بيروت

مناهج البحث عند مفكرى الإسلام  أ. د . على سامى النشار – دار السلام- مصر

د. منتصر محمود مجاهد – ميزان الحكمة ومنهج البحث العلمى عند الخازنى – الهيئة المصرية العامة للكتاب  - الطبعة الأولى -2005


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق