الجمعة، 23 ديسمبر 2016

مسلك سعيد بن المسيب السياسى (13 - 94 ه )

سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد: سيد
التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة. جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان يعيش من التجارة بالزيت، لا يأخذ عطاءا. وكان أحفظ الناس لاحكام عمر ابن الخطاب وأقضيته، حتى سمي راوية عمر.توفي رحمه الله بالمدينة.
وكان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفا، -عطاؤه- . وكان يُدعى إليها فيأبى ويقول: لا حاجة لي فيها. حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان ،
قيل لسعيد بن المسيب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك، ولا يحركك، ولا يؤذيك ؟ قال: والله ما أدري، إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد، فصلى صلاة لايتم ركوعها ولا سجودها، فأخذت كفا من حصى فحصبته بها. زعم أن الحجاج قال: مازلت بعد أحسن الصلاة " و قدم عبدالملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة، واستيقظ، فقال لحاجبه: انظر، هل في المسجد أحد من حداثنا ؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيب في حلقته، فقام حيث ينظر إليه، ثم غمزه وأشار بأصبعه، ثم ولى، فلم يتحرك سعيد، فقال: لا أراه فطن، فجاء ودنا منه، ثم غمزه وقال: ألم ترني أشير إليك ؟ قال: وما حاجتك ؟ قال: أجب أمير المؤمنين.
فقال: إلي أرسلك ؟ قال: لا، ولكن قال: انظر بعض حداثنا فلم أر أحدا أهيأ منك.
قال: اذهب فأعلمه أني لست من حداثه.
فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلا مجنونا، وذهب فأخبر عبدالملك، فقال: ذاك سعيد بن المسيب فدعه.
وعن سليمان بن حرب: وعمرو بن عاصم، حدثنا سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي، قال: حج عبد الملك بن مروان، فلما قدم المدينة، ووقف على باب المسجد أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلا يدعوه ولا يحركه، فأتاه الرسول وقال: أجب أمير المؤمنين، واقف بالباب يريد أن يكلمك.
فقال:
ما لامير المؤمنين إلي حاجة، ومالي إليه حاجة، وإن حاجته لي لغير مقضية،
فرجع الرسول، فأخبره فقال: ارجع فقل له: إنما أريد أن أكلمك، ولا تحركه. فرجع إليه، فقال له: أجب أمير المؤمنين. فرد عليه مثل ما قال أولا. فقال: لولا أنه تقدم إلي فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول مثل هذا ! فقال: إن كان يريد أن يصنع بي خيرا، فهو لك، وإن كان يريد غير ذلك فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض، فأتاه فأخبره، فقال: رحم الله أبا محمد، أبى إلا صلابة
زاد عمرو بن عاصم في حديثه بهذا الاسناد: فلما استخلف الوليد، قدم المدينة، فدخل المسجد، فرأى شيخا قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا ؟ قالوا: سعيد بن المسيب، فلما جلس أرسل إليه، فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: لعلك أخطأت باسمي، أو لعله أرسلك إلى غيري، فرد الرسول، فأخبره، فغضب وهم به، قال: وفي الناس يومئذ تقية، فأقبلوا عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، فقيه المدينة، وشيخ قريش، وصديق أبيك، لم يطمع ملك قبلك أن يأتيه.فما زالوا به حتى أضرب عنه
وقال عمران بن عبد الله - من أصحاب سعيد بن المسيب: ما علمت فيه لينا. قال الذهبى قلت: كان عند سعيد بن المسيب أمر عظيم من بني أمية وسوء سيرتهم. وكان لا يقبل عطاءهم.
وروى ابن سعد: أنبأنا الوليد بن عطاء بن الاغر المكي، أنبأنا عبدالحميد بن
سليمان، عن أبي حازم، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: لقد رأيتني ليالي الحرة
وما في المسجد أحد غيري، وإن أهل الشام ليدخلون زمرا يقولون: انظرو إلى هذا
المجنون. وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت أذانا في القبر.ثم تقدمت فأقمت وصليت وما في المسجد أحد غيري ، عبدالحميد هذا، ضعيف.
قال الواقدي: حدثنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد أيام الحرة في المسجد لم يخرج، وكان يصلي معهم والحرة ، هي حرة واقم شرقي المدينة المنورة، وفيها كانت الوقعة المشهورة، يقول فيها ابن حزم في كتابه جوامع السيرة ص 357 ما نصه: "..أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة حرم الله تعالى. فقتل بقايا المهاجرين والانصار يوم الحرة، وهي أيضا أكبر مصائب الاسلام وخرومه،
لان أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرا ظلما في الحرب وصبرا. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان
فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن
عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله. وأكره
الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن
شاء أعتق، وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأمر بقتله. فضرب عنقه صبرا. وهتك مسرف أو مجرم الاسلام هتكا، وأنهب المدينة ثلاثا،
ذكر محنته: الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، وغيره من أصحابنا، قالوا: استعمل ابن الزبير جابر بن الاسود بن عوف الزهري على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة [ لابن الزبير ] فقال سعيد بن المسيب: لا، حتى يجتمع الناس. فضربه ستين سوطا. فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابر يلومه ويقول: مالنا ولسعيد، دعه وعن عبد الواحد بن أبي عون، قال: كان جابر بن الاسود عامل ابن الزبير على المدينة قد تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه: والله ما ربعت على كتاب الله، وإنك تزوجت
الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره. فما مكث إلا يسيرا حتى قتل ابن الزبير ،
ذكر الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره أن عبد العزيز بن مروان توفي بمصر سنة أربع وثمانين، فعقد عبدالملك لابنيه: الوليد وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما وقال: حتى أنظر، فضربه هشام ستين سوطا، وطاف به في تبان من شعر، حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: أين تكرون بي ؟ قالوا إلى السجن. فقال: والله لولا أني ظننته الصلب، ما لبست هذا التبان أبدا. فردوه إلى السجن، فحبسه وكتب إلى عبدالملك يخبره بخلافه.
وعن عبد الله بن يزيد الهذلي، قال: دخلت على سعيد بن المسيب السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الاهاب على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلكقضبا رطبا، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام عن عمران بن عبد الله الخزاعي قال: دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار. فقيل: ادخل واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مئة وألبسه المسوح
عن رجاء بن جميل، قال: قال عبدالرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة: إني مشير عليك بخصال، قال: ما هن ؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل، قال: ماكنت لاغير مقاما قمته منذ أربعين سنة. قال: تخرج معتمرا. قال: ماكنت لانفق مالي وأجهد بدني في شئ ليس لي فيه نية، قال: فما الثالثة ؟ قال: تبايع، قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي ؟ قال - وكان أعمى - قال رجاء: فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة، فأبى، فكتب فيه إلى عبدالملك. فكتب إليه عبد الملك: مالك ولسعيد، ما كان علينا منه شئ نكرهه، فأما إذ فعلت فاضربه ثلاثين سوطا وألبسه تبان شعر، وأوقفه للناس لئلا يقتدي به الناس.
وقال هشام بن زيد: رأيت ابن المسيب حين ضرب في تبان شعر.
ومن طرائف اهل العلم أن قتادة، قال: أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في الشمس، فقلت لقائدي: أدنني منه فأدناني، فجعلت أسأله خوفا من أن يفوتني، وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون قال أبو المليح الرقي: حدثني غير واحد أن عبدالملك ضرب سعيد بن المسيب خمسين سوطا، وأقامه بالحرة وألبسه تبان شعر، فقال سعيد: لو علمت أنهم لا يزيدوني على الضرب ما لبسته. إنما تخوفت من أن يقتلوني، فقلت: تبان أستر من غيره وعن رجل من آل عمر، قال: قلت لسعيد بن المسيب: ادع على بني أمية، قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، واخز أعداءك في عافية لامة محمد صلى الله عليه وسلم
وعن أبي يونس القوي قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده، فقلت: ما شأنه ؟ قيل: نهي أن يجالسه أحد وعن همام: عن قتادة، أن ابن المسيب كان إذا أراد أحد أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني
وعن أبي عيسى الخراساني، عن ابن المسيب، قال: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم، لكيلا تحبط أعمالكم.
وقال سعيد : ما أصلي صلاة إلا دعوت الله على بني مروان
وعن ابن حرملة قال: ما سمعت سعيد ابن المسيب سب أحدا من الائمة، إلا أني سمعته
يقول: قاتل الله فلانا ، كان أول من غير قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: " الولد للفراش "
وفى تذكرة الحفاظ للذهبى عن المطلب بن السائب قال: كنت جالسا مع سعيد بن المسيب بالسوق فمر بريد لبنى مروان فقال له سعيد: من رسل بنى مروان انت قال: نعم، قال: كيف تركت بني مروان ؟ قال: بخير، قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب، فاشرأب الرسول فقمت إليه فلم ازل ازجيه حتى انطلق فقلت لسعيد يغفر الله لك تشيط بدمك ؟ فقال: اسكت يا احيمق فو الله لا يسلمني الله ما اخذت بحقوقه.
وعامة هذه الاخبار عن سعيدة مشهورة متداولة فى كتب التراجم خصوصا تذكرة الحفاظ وسير اعلام النبلاء ومن خلالها يتبين أن سعيد بن المسيب رحمه الله كان معارضاً معارضة تامة لسياسة الأمويين ناقماً عليهم ، رافضاً المبايعة لهم حتى آخر عمره ،
شديد اللهجة معهم ، وتعرض جراء ذلك للحبس والجلد ، وأمروا الناس باعتزاله ، بل وتعرض للموت مرتين ولولا احتجاج الناس له بالجنون لقتل ، ولا خلاف ان سعيد أجل التابعين علما وعملا أو من اجلهم ولا يستطيع عاقل أن يزعم ان حكام زماننا أفضل من حكام بنى أمية
ومع هذا ترى البلاعمة من علماء القصور يجرمون للناس الكلام فى خزى من أخزاه الله من المستبدين ، بل تراهم يسارعون فيهم بالمبايعة والتبجيل ، والتعظيم ، ويدعون الناس سرا وجهر للركوع لهؤلاء ، ولعل من ابرز هؤلاء البلاعمة جرما ربيع المدخلى وبطانته ، الذى نصب نفسه مُجرحا للعلماء العاملين وشهداء العصر ، صدق فيهم العلامة بكر ابوزيد عندما
قال أنهم رمز الإراد السيئة .. وأن دأبهم التوثب على الاعراض والتمضمض بالإعتراض مما يوسع جراح الأمة ويلغى الثقة فى علماء الملة ويغتال الفضل بين أفرادها
كما أن موقف ابن المسيب وهو إمام التابعين وقد تربى فى حجور الصحابة يضع ظلالا من الشك حول أحاديث طاعة الأئمة أحسنوا أم أساءو ويشير موقفه أن للأحاديث من هذا المنحى فهما غير الذى سعى به من سعى 
______________ 
ملاحظة : لا يعنى موقف سعيد من بنى مروان تشويه سمعتهم وذهاب فضلهم ، فهم ملوك الإسلام توسعت الدولة الإسلامية على أيديهم توسعها التاريخى المشهور ، ولهم من الحسنات ما الله به عليم ، ويؤخذ عليهم حبهم المال والسلطة حتى جرهم ذلك إلى بعض الظلم ، 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق